كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

مساوية له في الحرمة. وأما سبب اختلافهم في اعتكاف المرأة فمعارضة القياس أيضا للأثر وذلك أنه ثبت أن حفصة وعائشة وزينب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن حين ضربن أخبيتهن فيه فكان هذا الأثر دليلا على جواز اعتكاف المرأة في المسجد. وأما القياس المعارض لهذا فهو قياس الاعتكاف على الصلاة وذلك أنه لما كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد على ما جاء في الخبر وجب أن يكون الاعتكاف في بيتها أفضل. قالوا: وإنما يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد مع زوجها فقط على نحو ما جاء في الأثر من اعتكاف أزواجه عليه الصلاة والسلام معه كما تسافر معه ولا تسافر مفردة وكأنه نحو من الجمع بين القياس والأثر. وأما زمان الاعتكاف فليس لأكثره عندهم حد واجب وإن كان كلهم يختار العشر الأواخر من رمضان بل يجوز الدهر كله إما مطلقا عند من لا يرى الصوم من شروطه وإما ما عدا الأيام التي لا يجوز صومها عند من يرى الصوم من شروطه. وأما أقله فإنهم اختلفوا فيه وكذلك اختلفوا في الوقت الذي يدخل فيه المعتكف لاعتكافه وفي الوقت الذي يخرج فيه منه. أما أقل زمان الاعتكاف فعند الشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء أنه لا حد له. واختلف عن مالك في ذلك فقيل ثلاثة أيام وقيل يوم وليلة. وقال ابن القاسم عنه أقله عشرة أيام وعند البغدادين من أصحابه أن العشرة استحباب وأن أقله يوم وليلة. والسبب في اختلافهم معارضة القياس للأثر أما القياس فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال: لا يجوز اعتكاف ليلة وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فلا أقل من يوم وليلة إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون بالليل. وأما الأثر المعارض فما خرجه البخاري من أن عمر رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ولا معنى للنظر مع الثابت من مذهب الأثر. وأما اختلافهم في الوقت الذي يدخل فيه المعتكف إلى اعتكافه إذا نذر أياما معدودة أو يوما واحدا فإن مالكا والشافعي وأبا حنيفة اتفقوا على أنه من نذر اعتكاف شهر أنه يدخل المسجد قبل غروب الشمس. وأما من نذر أن يعتكف يوما فإن الشافعي قال:

الصفحة 314