كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِاثْنَتَيْنِ حِجَّةٌ وَعُمْرَةٌ فَمَنْ قَضَاهُمَا فَقَدْ قَضَى الْفَرِيضَةَ».
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ».
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ ". وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا حُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي - وَهُمُ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً - فَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ الثَّابِتَةُ الْوَارِدَةُ فِي تَعْدِيدِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهَا الْعُمْرَةَ، مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ذَكَرَ الْحَجَّ مُفْرَدًا. وَمِثْلُ حَدِيثِ السَّائِلِ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «وَأَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ». وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِتْمَامِ لَيْسَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، لِأَنَّ هَذَا يَخُصُّ السُّنَنَ وَالْفَرَائِضَ - أَعْنِي: إِذَا شَرَعَ فِيهَا أَنْ تَتِمَّ وَلَا تُقْطَعَ -.
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا - أَعْنِي: مَنْ قَالَ إِنَّهَا سُنَّةٌ - بِآثَارٍ، مِنْهَا حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَلَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ». قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَرُبَّمَا احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا تَطَوَّعٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ وَاجِبٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ». وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ.
فَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَرَدُّدُ الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْوُجُوبَ أَمْ لَا يَقْتَضِيهِ.

الجنس الثاني
مدخل
...
القول في الجنس الثاني
وهو تعريف أفعال هذه العبادة في نوع نوع منها والتروك المشترطة فيها وهذه العبادة كما قلنا صنفان: حج وعمرة والحج ثلاثة أصناف: إفراد وتمتع وقران وهي كلها تشتمل على أفعال محدودة في أمكنة محدودة وأوقات محدودة ومنها فرض ومنها غير فرض وعلى تروك تشترط في تلك الأفعال ولكل من هذه أحكام محدودة إما عند الإحلال بها وإما عند الطوارئ المانعة

الصفحة 323