كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

السبيلين فيكون على هذين القولين الأخيرين ورود الأمر بالوضوء من تلك الأحداث المجمع عليها إنما هو من باب الخاص أريد به العام ويكون عند مالك وأصحابه إنما هو من باب الخاص المحمول على خصوصه فالشافعي وأبو على أن الأمر بها هو من باب الخاص أريد به العام واختلفا أي عام هو الذي قصد به؟ فمالك يرجح مذهبه بأن الأصل هو أن يحمل الخاص على خصوصه حتى يدل الدليل على غير ذلك, والشافعي محتج بأن المراد به المخرج لا الخارج باتفاقهم على إيجاب الوضوء من الريح الذي يخرج من أسفل وعدم إيجاب الوضوء منه إذا خرج من فوق وكلاهما ذات واحدة. والفرق بينهما اختلاف المخرجين فكان هذا تنبيها على أن الحكم للمخرج وهو ضعيف لأن الريحين مختلفان في الصفة والرائحة وأبو حنيفة يحتج لأن المقصود بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة مؤثرة في الطهارة وهذه الطهارة وإن كانت طهارة حكمية فإن فيها شبها من الطهارة المعنوية أعني طهارة النجس وبحديث ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ وبما روي عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف وبما روي من أمره صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة فكان المفهوم من هذا كله عند أبي حنيفة الخارج النجس وإنما اتفق الشافعي وأبو حنيفة على إيجاب الوضوء من الأحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض لأمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء عند كل صلاة المستحاضة والاستحاضة مرض. وأما مالك فرأى أن المرض له ها هنا تأثير في الرخصة قياسا أيضا على ما روي من أن المستحاضة لم تؤمر إلا بالغسل فقط وذلك أن حديث فاطمة بنت أبي حبيش هذا هو متفق على صحته ويختلف في هذه الزيادة فيه أعني الأمر بالوضوء لكل صلاة ولكن صححها أبو عمر ابن عبد البر قياسا على من يغلبه الدم من جرح ولا ينقطع مثل ما روي أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثغب دما.
المسألة الثانية : اختلف العلماء في النوم على ثلاثة مذاهب: فقوم رأوا أنه حدث فأوجبوا من قليله وكثيره الوضوء. وقوم رأوا أنه ليس بحدث فلم يوجبوا منه الوضوء إلا إذا تيقن بالحدث على مذهب من لا يعتبر الشك,

الصفحة 35