كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

وجماعة من التابعين: هو من فروض الحج ومن فاته كان عليه حج قابل والهدي وفقهاء أنه ليس من فروض الحج وأن من فاته الوقوف بالمزدلفة والمبيت به فعليه دم. وقال الشافعي: إن دفع منها إلى بعد نصف الليل الأول ولم يصل بها فعليه دم. وعمدة الجمهور ما صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله ليلا فلم يشاهدوا معه صلاة الصبح بها وعمدة الفريق الأول قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن المضرس وهو حديث متفق على صحته: "من أدرك من هذه الصلاة: يعني صلاة الصبح بجمع وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" وقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} ومن حجة الفريق الأول أن المسلمين قد أجمعوا على ترك الأخذ بجميع ما في هذا الحديث وذلك أن أكثرهم على أن من وقف بالمزدلفة ليلا ودفع منها إلى قبل الصبح أن حجه تام وكذلك من بات فيها ونام عن الصلاة وكذلك أجمعوا على أنه لو وقف بالمزدلفة ولم يذكر الله أن حجه تام وفي ذلك أيضا ما يضعف احتجاجهم بظاهر الآية والمزدلفة وجمع هما اسمان لهذا الموضوع وسنة الحج فيها كما قلنا أن يبيت الناس بها ويجمعون بين المغرب والعشاء في أول وقت العشاء ويغلسوا بالصبح فيها.
القول في رمي الجمار
وأما الفعل الذي بعدها فهو رمي الجمار وذلك أن المسلمين اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بالمشعر الحرام وهي المزدلفة بعدما صلى الفجر ثم دفع منها قبل طلوع الشمس إلى منى وأنه في هذا اليوم وهو يوم النحر رمى جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس وأجمع المسلمون أن من رماها في هذا اليوم في ذلك الوقت: أعني بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها. واختلفوا فيمن رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر فقال مالك: لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لأحد أن يرمي قبل طلوع الفجر ولا يجوز ذلك فإن رماها قبل الفجر أعادها وبه قال أبو حنيفة وسفيان وأحمد.

الصفحة 350