كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

واحد. وفرق أبو حنيفة بين المحرمين يقتلون الصيد وبين المحلين يقتلونه في الحرم فقال: على كل واحد من المحرمين جزاء وعلى المحلين جزاء واحد. واختلفوا هل يكون أحد الحكمين قاتل الصيد فذهب مالك إلى أنه لا يجوز. وقال الشافعي: يجوز. واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين جميعا واختلفوا في موضع الإطعام فقال مالك: في الموضع الذي أصاب فيه الصيد إن كان ثم طعام وإلا ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع. وقال أبو حنيفة: حيثما أطعم. وقال الشافعي: لا يطعم إلا مساكين مكة. وأجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء للنص في ذلك. واختلفوا في الحلال يقتل الصيد في الحرم. فقال جمهور فقهاء الأمصار: عليه الجزاء. وقال داود وأصحابه: لا جزاء عليه. ولم يختلف المسلمون في تحريم قتل الصيد في الحرم وإنما اختلفوا في الكفارة وذلك لقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض" وجمهور فقهاء الأمصار على أن المحرم إذا قتل الصيد وأكله أنه ليس عليه كفارة واحدة. وروي عن عطاء وطائفة أن فيه كفارتين فهذه هي مشهورات المسائل المتعلقة بهذه الآية.
وأما الأسباب التي دعتهم إلى هذا الاختلاف: فنحن نشير إلى طرق منها فنقول: أما من اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمدا فحجته أن اشتراط ذلك نص في الآية وأيضا فإن العمد هو الموجب للعقاب والكفارات عقابا ما. وأما من أوجب الجزاء مع النسيان فلا حجة له إلا أن يشبه الجزاء عند إتلاف الصيد بإتلاف الأموال فإن الأموال عند الجمهور تضمن خطأ ونسيانا لكن يعارض هذا القياس اشتراط العمد في وجوب الجزاء فقد أجاب بعضهم عن هذا: أي العمد إنما اشترط لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} وذلك لا معنى له لأن الوبال المذوق هو في الغرامة فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قد ذاق الوبال ولا خلاف أن الناسي غير معاقب وأكثر ما تلزم هذه الحجة لمن كان من أصله أن الكفارات لا تثبت بالقياس فإنه لا دليل لمن أثبتها على الناسي إلا القياس. وأما اختلافهم في المثل هل هو الشبيه أو المثل في القيمة فإن

الصفحة 359