كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

وإذا شك على مذهب من يعتبر الشك حتى إن بعض السلف كان يوكل بنفسه إذا نام من يتفقد حاله أعني هل يكون منه حدث أم لا؟ وقوم فرقوا بين النوم القليل الخفيف والكثير المستثقل فأوجبوا في الكثير المستنقل الوضوء دون القليل وعلى هذا فقهاء الأمصار والجمهور. ولما كانت بعض الهيئات يعرض فيها الاستثقال من النوم أكثر من بعض وكذلك خروج الحدث اختلف الفقهاء في ذلك فقال مالك: من نام مضطجعا أو ساجدا فعليه الوضوء طويلا كان النوم أو قصيرا. ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلا أن يطول ذلك به. واختلف القول في مذهبه في الراكع فمرة قال حكمه حكم القائم ومرة قال حكمه حكم الساجد. وأما الشافعي فقال: على كل نائم كيفما نام الوضوء إلا على من نام جالسا. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا وضوء إلا على من نام مضطجعا. وأصل اختلافهم في هذه المسألة اختلاف الآثار الواردة في ذلك وذلك أن هاهنا أحاديث يوجب ظاهرها أنه ليس في النوم وضوء أصلا كحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ميمونة فنام عندها حتى سمعنا غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه لعله يذهب أن يستغفر ربه فيسب نفسه" وما روي أيضا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينامون في المسجد حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضأون وكلها آثار ثابتة وها هنا أيضا أحاديث يوجب ظاهرها أن النوم حدث وأبينها في ذلك حديث صفوان بن عسال وذلك أنه قال: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن لا ننزع خفافنا من غائط وبول ونوم ولا ننزعها إلا من جنابة فسوى بين البول والغائط والنوم صححه الترمذي. ومنها حديث أبي هريرة المتقدم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه" فإن ظاهره أن النوم يوجب الوضوء قليله وكثيره وكذلك يدل ظاهر آية الوضوء عند من كان عنده المعنى في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى

الصفحة 36