القول في الهدي
فنقول إن النظر في الهدي يشتمل على معرفة وجوبه وعلى معرفة جنسه وعلى معرفة سنه وكيفية سوقه ومن أين يساق وإلى أين ينتهي بسوقه وهو موضع نحره وحكم لحمه بعد النحر فنقول: إنهم قد أجمعوا على أن الهدي المسوق في هذه العبادة منه واجب ومنه تطوع فالواجب منه ما هو واجب بالنذر ومنه ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة ومنه ما هو واجب لأنه كفارة. فأما ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة فهو هدي المتمتع باتفاق وهدي القارن باختلاف. وأما الذي هو كفارة فهدي القضاء على مذهب من يشترط فيه الهدي وهدي كفارة الصيد وهدي إلقاء الأذى والتفث وما أشبه ذلك من الهدي الذي قاسه الفقهاء في الإخلال بنسك نسك منها على المنصوص عليه. فأما جنس الهدي فإن العلماء متفقون على أنه لا يكون الهدي إلا من الأزواج الثمانية التي نص الله عليها وأن الأفضل في الهدايا هي الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز وإنما اختلفوا في الضحايا. وأما الأسنان فإنهم أجمعوا أن الثني فما فوقه يجزي منها وأنه لا يجزي الجذع من المعز في الضحايا والهدايا لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بردة: "تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك" واختلفوا في الجذع من الضأن فأكثر أهل العلم يقولون بجوازه في الهدايا والضحايا. وكان ابن عمر يقول: لا يجزي في الهدايا إلا الثني من كل جنس ولا خلاف في أن الأغلى ثمنا من الهدايا أفضل. وكان الزبير يقول لبنيه: يا بني لا يهدين أحدكم لله من الهدي شيئا يستحي أن يهديه لكريمه فإن الله أكرم الكرماء وأحق من اختير له وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الرقاب" وقد قيل له أيها أفضل فقال: "أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها" وليس في عدد الهدي حد معلوم وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة. وأما كيفية سوق الهدي فهو التقليد والإشعار بأنه هدي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره