كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

الفصل السابع: لماذا يحاربوب؟
...
الفصل السابع لماذا يحاربون؟
فأما لماذا يحاربون؟ فاتفق المسلمون على أن المقصود بالمحاربة لأهل الكتاب ما عدا أهل الكتاب من قريش ونصارى العرب هو أحد أمرين: إما الدخول في الإسلام وإما إعطاء الجزية لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وكذلك اتفق عامة الفقهاء على أخذها من المجوس لقوله صلى الله عليه وسلم: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" واختلفوا فيما سوى أهل الكتاب من المشركين هل تقبل منهم الجزية أم لا؟ فقال قوم: تؤخذ الجزية من كل مشرك وبه قال مالك. وقوم استثنوا من ذلك مشركي العرب. وقال الشافعي وأبو ثور وجماعة لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس. والسبب في اختلافهم معارضة العموم للخصوص. أما العموم فقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وأما الخصوص فقوله لأمراء السرايا الذين كان يبعثهم إلى مشركي العرب ومعلوم أنهم أهل كتاب فإذا لقيت عدوك فادعهم إلى ثلاث خصال فذكر الجزية فيها وقد تقدم الحديث. فمن رأى أن العموم إذا تأخر عن الخصوص فهو ناسخ له قال: لا تقبل الجزية من مشرك ما عدا أهل الكتاب لأن الآية الآمرة بقتالهم على العموم هي متأخرة عن ذلك الحديث وذلك أن الأمر بقتال المشركين عامة وهو في سورة براءة ذلك عام الفتح وذلك الحديث إنما هو قبل الفتح بدليل دعائهم فيه للهجرة ومن رأى أن العموم يبنى على الخصوص تقدم أو تأخر أو جهل التقدم والتأخر بينهما قال: تقبل الجزية من جميع المشركين. وأما تخصيص أهل الكتاب من سائر المشركين فخرج من ذلك العموم باتفاق بخصوص قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا

الصفحة 389