كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر وأما من فهم من الآية اللمسين معا فضعيف فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحدا من المعاني التي يدل عليها الاسم لا جميع المعاني التي يدل عليها وهذا بين بنفسه في كلامهم.
المسألة الرابعة : مس الذكر. اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب فمنهم من رأى الوضوء فيه كيفما مسه وهو مذهب الشافعي وأصحابه وأحمد وداود ومنهم من لم ير فيه وضوءا أصلا وهو أبو حنيفة وأصحابه ولكلا صليت سلف من الصحابة والتابعين. وقوم فرقوا بين أن يمسه بحال أو لا يمسه بتلك الحال وهؤلاء افترقوا فيه فرقا: فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ أو لا يلتذ. ومنهم من فرق بين أن يمسه بباطن الكف أو لا يمسه فأوجبوا الوضوء مع اللذة ولم يوجبوه مع عدمها وكذلك أوجبه قوم مع المس بباطن الكف ولم يوجبوه مع المس بظاهرها وهذان الاعتباران مرويان عن أصحاب مالك وكأن اعتبار باطن الكف راجع إلى اعتبار سبب اللذة. وفرق قوم في ذلك بين العمد والنسيان فأوجبوا الوضوء منه مع العمد ولم يوجبوه مع النسيان وهو مروي عن مالك وهو قول داود وأصحابه. ورأى قوم أن الوضوء من مسه سنة لا واجب. قال أبو عمر: وهذا الذي استقر من مذهب مالك عند أهل المغرب من أصحابه والرواية عنه فيه مضطربة. وسبب اختلافهم في ذلك أن فيه حديثين متعارضين: احدهما الحديث الوارد عن طريق بسرة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ" وهو أشهر الأحاديث الواردة في إيجاب الوضوء من مس الذكر خرجه مالك في الموطأ وصححه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وضعفه أهل الكوفة وقد روي أيضا معناه من طريق أم حبيبة وكان أحمد بن حنبل يصححه وقد روي أيضا معناه من طريق أبي هريرة وكان ابن الموطأ أيضا يصححه ولم يخرجه البخاري ولا مسلم. والحديث الثاني المعارض له حديث طلق بن علي قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد أن يتوضأ؟ فقال: "وهل هو إلا بضعة منك" ؟

الصفحة 39