كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر وكذلك اختلفوا في التجار والأجراء هل يسهم لهم أم لا؟ فقال مالك: لا يسهم لهم إلا أن يقاتلوا وقال قوم: بل يسهم لهم إذا شهدوا القتال. وسبب اختلافهم هو تخصيص عموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} بالقياس الذي يوجب الفرق بين هؤلاء وسائر الغانمين وذلك أن من رأى أن التجار والأجراء حكمهم حكم خلاف سائر المجاهدين لأنهم لم يقصدوا القتال وإنما قصدوا إما التجارة وإما الإجارة استثناهم من ذلك العموم. ومن رأى أن العموم أقوى من هذا القياس أجرى العموم على ظاهره ومن حجة من استثناهم ما خرجه عبد الرزاق أن عبد الرحمن بن عوف قال لرجل من فقراء المهاجرين أن يخرج معهم فقال نعم فوعده فلما حضر الخروج دعاه فأبى أن يخرج معه واعتذر له بأمر عياله وأهله فأعطاه عبد الرحمن ثلاثة دنانير على أن يخرج معه فلما هزموا العدو سأل الرجل عبد الرحمن نصيبه من المغنم فقال عبد الرحمن: سأذكر التابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الثلاثة دنانير حظه ونصيبه من غزوه في أمر دنياه وآخرته" وخرج مثله أبو داود عن يعلى بن منبه ومن أجاز له القسم شبهه بالجعائل أيضا وهو أن يعين أهل الديوان بعضهم بعضا أعني يعين القاعد منهم الغازي. وقد اختلف العلماء في الجعائل فأجازها مالك ومنعها غيره ومنهم من أجاز ذلك من السلطان فقط أو إذا كانت ضرورة وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وأما الشرط الذي يجب به للمجاهد السهم من الغنيمة فإن الأكثر على أنه إذا شهد القتال وجب له السهم وإن لم يقاتل وأنه إذا جاء بعد القتال فليس له سهم في الغنيمة وبهذا قال الجمهور. وقال قوم: إذا لحقهم قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام وجب له حظه من الغنيمة إن اشتغل في شيء من أسبابها وهو قول أبي حنيفة. والسبب في اختلافهم سببان: القياس والأثر. أما القياس فهو هل يلحق تأثير الغازي في الحفظ بتأثيره في الأخذ؟ وذلك أن الذي شهد القتال له تأثير في الأخذ؟ أعني في أخذ الغنيمة وبذلك استحق السهم والذي جاء قبل أن يصلوا إلى بلاد

الصفحة 393