كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

أما المسألة الأولى : فإن قوما قالوا: النفل يكون من الخمس الواجب لبيت مال المسلمين وبه قال مالك. وقال قوم: بل النفل إنما يكون من خمس الخمس وهو حظ الإمام فقط وهو الذي اختاره الشافعي. وقال قوم: بل النفل من جملة الغنيمة وبه قال أحمد وأبو عبيدة ومن هؤلاء من أجاز تنفيل جميع الغنيمة. والسبب في اختلافهم هو هل بين الآيتين الواردتين في المغانم تعارض أم هما على التخيير؟ أعني قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية وقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية. فمن رأى أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ناسخا لقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال لا نفل إلا من الخمس أو من خمس الخمس. ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما وأنها على التخيير أعني أن للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء وله ألا ينفل بأن يعطي جميع أرباع الغنيمة للغانمين قال بجواز النفل من رأس الغنيمة. ولاختلافهم أيضا سبب آخر وهو اختلاف الآثار في هذا الباب وفي ذلك أثران: أحدهما ما روى مالك عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله ابن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا وهذا يدل على أن النفل كان بعد القسمة من الخمس. والثاني حديث حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع من السرايا بعد الخمس في البداءة وينفلهم الثلث بعد الخمس في الرجعة يعني في بداءة غزوه عليه الصلاة والسلام وفي انصرافه.
وأما المسألة الثانية : وهي ما مقدار ما للإمام أن ينفل من ذلك؟ عند الذين أجازوا النفل من رأس الغنيمة فإن قوما قالوا: لا يجوز أن ينفل أكثر من الثلث أو الربع على حديث حبيب بن مسلمة. وقال قوم: إن العربي الإمام السرية جميع ما غنمت جاز مصيرا إلى أن آية الأنفال غير منسوخة بل محكمة وأنها على عمومها غير مخصصة. ومن رأى أنها مخصصة بهذا الأثر قال: لا يجوز أن ينفل أكثر من الربع أو الثلث.
وأما المسألة الثالثة : وهي هل يجوز الوعد بالتنفيل قبل الحرب أم ليس يجوز ذلك؟ فإنهم اختلفوا فيه فكره ذلك مالك وأجازه جماعة. وسبب

الصفحة 396