كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

اختلافهم معارضة مفهوم مقصد الغزو لظاهر الأثر وذلك أن الغزو إنما يقصد به وجه الله العظيم ولتكون كلمة الله هي العليا فإذا وعد الإمام بالنفل قبل الحرب خيف أن يسفك دماءهم الغزاة في حق غير الله. وأما الأثر الذي يقتضي ظاهره جواز الوعد بالنفل فهو حديث حبيب بن مسلمة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينفل في الغزو السرايا الخارجة من العسكر الربع وفي القفول الثلث ومعلوم أن المقصود من هذا إنما هو التنشيط على الحرب.
وأما المسألة الرابعة : وهي هل يجب سلب المقتول للقاتل أو ليس يجب إلا إن نفله له الإمام؟ فإنهم اختلفوا في ذلك فقال مالك: لا يستحق القاتل سلب المقتول إلا أن ينفله له الإمام على جهة الاجتهاد وذلك بعد الحرب وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وجماعة من السلف واجب للقاتل قال ذلك الإمام أو لم يقله. ومن هؤلاء من جعل السلب له على كل حال ولم يشترط في ذلك شرطا. ومنهم من قال لا يكون له السلب إلا إذا قتله مقبلا غير مدبر وبه قال الشافعي. ومنهم من قال: إنما يكون السلب للقاتل إذا كان القتل قبل معمعة الحرب أو بعدها. وبه قال الأوزاعي وأما إن قتله في حين المعمعة فليس له سلب وبه قال الأوزاعي. وقال قوم: إن استكثر الإمام السلب جاز أن يخمسه. وسبب اختلافهم هو احتمال قوله عليه الصلاة والسلام يوم حنين بعد ما برد القتال: "من قتل قتيلا فله سلبه" أن يكون ذلك منه عليه الصلاة والسلام على جهة النفل أو على جهة الاستحقاق للقاتل و مالك رحمه الله قوي عنده أنه على جهة النفل من قبل أنه لم يثبت عنده أنه قال ذلك عليه الصلاة والسلام ولا قضى به إلا أيام حنين ولمعارضة آية الغنيمة له إن حمل ذلك على الاستحقاق: أعني قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية. فإنه لما نص في الآية على أن الخمس لله علم أن أربعة الأخماس واجبة للغانمين كما أنه لما نص على الثلث للأم في المواريث علم أن الثلثين للأب. قال أبو عمر: وهذا القول محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في حنين وفي بدر. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي

الصفحة 397