كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

الفصل الخامس في حكم ما افتتح المسلمون من الأرض عنوة
واختلفوا فيما افتتح المسلمون من الأرض عنوة. فقال مالك: لا تقسم الأرض وتكون وقفا يصرف خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض. وقال الشافعي: الأرضون المفتتحة تقسم كما تقسم الغنائم: يعني خمسة أقسام. وقال أبو حنيفة: الإمام مخير بين أن يقسمها على المسلمين أو يضرب على أهلها الكفارة فيها الخراج ويقرها بأيديهم. وسبب اختلافهم ما يظن من التعارض بين آية سورة الأنفال وآية سورة الحشر وذلك أن آية الأنفال تقتضي بظاهرها أن كل ما غنم يخمس وهو قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} وقوله تعالى في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} عطفا على ذكر الذين أوجب لهم الفيء يمكن أن يفهم منه أن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} ما أرى هذه الآية إلا قد عمت الخلق حتى الراعي بكداء أو كلاما هذا معناه ولذلك لم تقسم الأرض التي افتتحت في أيامه عنوة من أرض العراق ومصر فمن رأى أن الآيتين متواردتان على معنى واحد وأن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال استثنى من ذلك الأرض ومن رأى أن الآيتين ليستا متواردتين على معنى واحد بل رأى أن آية الأنفال في الغنيمة وآية الحشر في الفيء على ما هو الظاهر من ذلك قال: تخمس الأرض ولا بد ولا سيما أنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قسم خيبر بين الغزاة. قالوا: فالواجب أن تقسم الأرض لعموم الكتاب وفعله عليه الصلاة والسلام الذي يجري مجرى البيان للمجمل فضلا عن العام. وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة وبين أن يقر الكفار فيها على خراج يؤدونه لأنه زعم أنه قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة

الصفحة 401