فقاسمهم قالوا: فظهر من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ولكنه قسم طائفة من الأرض وترك طائفة لم يقسمها قالوا: فبان بهذا أن الإمام بالخيار بين القسمة والإقرار بأيديهم وهو الذي فعل عمر رضي الله عنه. وإن أسلموا بعد الغلبة عليهم كان مخيرا بين المن عليهم أو قسمتها على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: أعني من المن وهذا إنما يصح على رأي من رأى أنه افتتحها عنوة فإن الناس اختلفوا في ذلك وإن كان الأصح أنه افتتحها عنوة لأنه الذي خرجه مسلم. وينبغي أن تعلم أن قول من قال: إن آية الفيء وآية الغنيمة محمولتان على الخيار وأن آية الفيء ناسخة لآية الغنيمة أو مخصصة لها أنه قول ضعيف جدا إلا أن يكون اسم الفيء والغنيمة يدلان على معنى واحد فإن كان ذلك فالآيتان متعارضتان لأن آية الأنفال توجب التخميس وآية الحشر توجب القسمة دون التخميس فوجب أن تكون إحداهما ناسخة للأخرى أو يكون الإمام مخيرا بين التخميس وترك التخميس وذلك في جميع الأموال المغنومة. وذكر بعض أهل العلم أنه مذهب لبعض الناس وأظنه حكاه عن المذهب. ويجب على مذهب من يريد أن يستنبط من الجمع بينهما ترك قسمة الأرض وقسمة ما عدا الأرض أن تكون كل واحدة من الآيتين مخصصة بعض ما في الأخرى أو ناسخة له حتى تكون آية الأنفال خصصت من عموم آية الحشر ما عدا الأرضين فأوجبت فيها الخمس وآية الحشر خصصت من آية الأنفال الأرض فلم توجب فيها خمسا وهذه الدعوى لا تصح إلا بدليل مع أن الظاهر من آية الحشر أنها تضمنت القول في نوع من الأموال مخالف الحكم للنوع الذي تضمنته آية الأنفال وذلك أن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} هو تنبيه على العلة التي من أجلها لم يوجب حق للجيش خاصة دون الناس والقسمة بخلاف ذلك إذ كانت تؤخذ بالإيجاف.
الفصل السادس في قسمة الفيء
وأما الفيء عند الجمهور فهو كل ما صار للمسلمين من الكفار من قبل الرعب والخوف من غير أن يوجف عليه بخيل أو رجل. واختلف الناس