في غير الغموس. وسبب اختلافهم معارضة عموم الكتاب للأثر وذلك أن قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية توجب أن يكون في اليمين الغموس كفارة لكونها من الأيمان المنعقدة وقوله عليه الصلاة والسلام: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار" يوجب أن اليمين الغموس ليس فيها كفارة ولكن للشافعي أن يستثني من الأيمان الغموس ما لا يقتطع بها حق الغير وهو الذي ورد فيه النص أو يقول: إن الأيمان التي يقتطع بها حق الغير قد جمعت الظلم والحنث فوجب ألا تكون الكفارة تهدم الأمرين جميعا أو ليس يمكن فيها أن تهدم الحنث دون الظلم لأن رفع الحنث بالكفارة إنما هو من باب التوبة وليس تتبعض التوبة في الذنب الواحد بعينه فإن تاب ورد المظلمة وكفر سقط عنه جميع الإثم.
المسألة الثانية : واختلف العلماء فيمن قال: أنا كافر بالله أو مشرك بالله أو زفر أو نصراني إن فعلت كذا ثم يفعل ذلك هل عليه كفارة أم لا؟ فقال مالك والشافعي: ليس عليه كفارة ولا هذه يمين وقال أبو حنيفة: هي يمين وعليه فيها الكفارة إذا خالف اليمين وهو قول أحمد بن حنبل أيضا. وسبب اختلافهم هو اختلافهم في هل يجوز اليمين بكل ما له حرمة أم ليس يجوز إلا بالله فقط؟ ثم إن وقعت فهل تنعقد أم لا؟ فمن رأى أن الأيمان المنعقدة: أعني التي هي بصيغ القسم إنما هي الأيمان الواقعة بالله عز وجل وبأسمائه قال: لا كفارة فيها إذ ليست بيمين ومن رأى أن الأيمان تنعقد بكل ما عظم الشرع حرمته قال: فيها الكفارة لأن الحلف بالتعظيم كالحلف بترك التعظيم وذلك أنه كما يجب التعظيم يجب أن لا يترك التعظيم فكما أن من حلف بوجوب حق الله عليه لزمه كذلك من حلف بترك وجوبه لزمه.
المسألة الثالثة: واتفق الجمهور في الأيمان التي ليست أقساما بشيء وإنما تخرج مخرج الإلزام الواقع بشرط من الشروط مثل أن يقول القائل: فإن فعلت كذا فعلي مشي إلى بيت الله أو إن فعلت كذا وكذا فغلامي حر أو امرأتي طالق أنها تلزم في القرب وفيما إذا التزمه الإنسان لزمه بالشرع مثل الطلاق والعتق. واختلفوا هل فيها كفارة أم لا؟ فذهب مالك إلى أن لا كفارة