كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

مشيئة الله في الأمر المحلوف على فعله إن كان فعلا أو على تركه إن كان تركا رافع لليمين لأن الاستثناء هو رفع للزوم اليمين. قال أبو بكر بن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" وإنما اختلفوا هل يؤثر في اليمين إذا لم توصل بها أو لا يؤثر؟ لاختلافهم هل الاستثناء حال للانعقاد أم هو مانع له؟ فإذا قلنا إنه مانع للانعقاد لا حال له اشترط أن يكون متصلا باليمين وإذا قلنا إنه حال لم يلزم فيه ذلك. والذين اتفقوا على أنه حال اختلفوا هي هو حال بالقرب أو بالبعد على ما حكينا وقد احتج من رأى أنه حال بالقرب بما رواه سعد عن سماك بن حرب عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأغزون قريشا" قالها ثلاثة مرات ثم سكت ثم قال: "إن شاء الله" فدل هذا أن الاستثناء حال لليمين لا مانع لها من الانعقاد. قالوا: ومن الدليل على أنه حال بالقرب أنه لو كان حالا بالبعد على ما رواه ابن عباس لكان الاستثناء يغني عن الكفارة والذي قالوه بين. وأما اشتراط النطق باللسان فإنه اختلف فيه فقيل لا بد فيه من اشتراط اللفظ أي لفظ كان من ألفاظ الاستثناء وسواء أكان بألفاظ الاستثناء أو بتخصيص العموم أو بتقييد المطلق هذا هو المشهور. وقيل إنما ينفع الاستثناء بالنية بغير لفظ في حرف إلا فقط. أي بما يدل عليه لفظ إلا وليس ينفع ذلك فيما سواه من الحروف وهذه التفرقة ضعيفة. والسبب في هذا الاختلاف هو هل أفطر العقود اللازمة بالنية فقط دون اللفظ أو باللفظ والنية معا مثل الطلاق والعتق واليمين وغير ذلك.
وأما المسألة الثانية : وهي هل تنفع النية الحادثة في الاستثناء بعد انقضاء اليمين؟ فقيل أيضا في المذهب إنها تنفع إذا حدثت متصلة باليمين وقيل بل إذا حدثت قبل أن يتم النطق باليمين وقيل بل استثناء على ضربين: استثناء من عدد واستثناء من عموم بتخصيص أو من مطلق بتقييد فالاستثناء من العدد لا ينفع فيه إلا حدوث النية قبل النطق باليمين والاستثناء من العموم ينفع فيه حدوث النية بعد اليمين إذا وصل الاستثناء نطقا باليمين. وسبب اختلافهم هل الاستثناء مانع للعقد أو حال له؟ فإن قلنا إنه مانع فلا بد من اشتراط حدوث النية في أول اليمين وإن قلنا إنه حال لم يلزم ذلك وقد

الصفحة 413