أعم من ذلك الشيء الذي لفظ به أو أخص أو يحلف على شيء وينوي به معنى أعم أو أخص أو يكون للشيء الذي حلف عليه اسمان أحدهما لغوي والآخر عرفي وأحدهما أخص من الآخر. وأما إذا حلف على شيء بعينه فإنه لا يحنث عند الشافعي وأبي حنيفة إلا بالمخالفة الواقعة في ذلك الشيء بعينه الذي وقع عليه الحلف وإن كان المفهوم منه معنى أعم أو أخص من قبل الدلالة العرفية. وكذلك أيضا فيم أحسب لا يعتبرون النية المخالفة للفظ وإنما يعتبرون مجرد الألفاظ فقط. وأما مالك فإن المشهور من مذهبه أن المعتبر أولا عنده في الأيمان التي لا يقضى على حالفها هو النية فإن عدمت فقرينة الحال فإن عدمت فعرف اللفظ فإن عدم فدلالة اللغة وقيل لا يراعى إلا النية أو ظاهر اللفظ اللغوي فقط وقيل يراعى النية وبساط الحال ولا يراعى العرف وأما الأيمان التي يقضى بها على صاحبها فإنه إن جاء الحالف مستفتيا كان حكمه حكم اليمين التي لا يقضى بها على صاحبها من مراعاة هذه الأشياء فيها على هذا الترتيب وإن كان مما يقضى بها عليه لم يراع فيها إلا اللفظ إلا أن يشهد لما يدعي من النية المخالفة لظاهر اللفظ قرينة الحال أو العرف.
وأما المسألة الرابعة : فإنهم اتفقوا على أن اليمين على نية المستحلف في الدعاوى واختلفوا في غير ذلك مثل الأيمان على المواعيد فقال قوم: على نية الحالف وقال قوم: على نية المستحلف. وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اليمين على نية المستحلف" وقال عليه الصلاة والسلام: "يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك" خرج هذين الحديثين مسلم. ومن قال: اليمين على نية الحالف فإنما اعتبر بالنفس من اليمين لا ظاهر اللفظ. وفي هذا الباب فروع كثيرة لكن هذه المسائل الأربع هي أصول هذا الباب إذ يكاد أن يكون جميع الاختلاف الواقع في هذا الباب راجعا إلى الاختلاف في هذه وذلك في الأكثر مثل اختلافهم فيمن حلف أن لا يأكل رؤوسا فأكل رؤوس حيتان هل يحنث أم لا؟ فمن راعى العرف قال لا يحنث ومن راعى دلالة اللغة قال يحنث. ومثل اختلافهم فيمن حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما فمن اعتبر دلالة اللفظ الحقيقي قال لا يحنث ومن رأى أن اسم الشيء قد ينطلق على ما يتولد منه قال يحنث.