وبالجملة فاختلافهم في المسائل الفروعية التي في هذا الباب هي راجعة إلى اختلافهم في هذه المسائل التي ذكرنا وراجعة إلى اختلافهم في دلالات الألفاظ التي يحلف بها وذلك أن منها ما هي مجملة ومنها ما هي ظاهرة ومنها ما هي نصوص.
الفصل الثاني في رافع الحنث
واتفقوا على أن الكفارة في الأيمان هي الأربعة الأنواع التي ذكر الله في كتابه في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ} الآية. وجمهورهم على أن الحالف إذا حنث مخير بين الثلاثة منها: أعني الإطعام أو الكسوة أو العتق وأنه لا يجوز له الصيام إلا إذا عجز عن هذه الثلاثة لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان إذا غلظ اليمين أعتق أو كسا وإذا لم يغلظها أطعم. واختلفوا من ذلك في سبع مسائل مشهورة: المسألة الأولى: في مقدار الإطعام لكل واحد من العشرة مساكين. الثانية: في جنس الكسوة إذا اختار الكسوة وعددها. الثالثة: في اشتراط التتابع في صيام الثلاثة الأيام أو لا اشتراطه. الرابعة: في اشتراط العدد في المساكين. الخامسة: في اشتراط الإسلام فيهم والحرية. السادسة: في اشتراط السلامة في الرقبة المعتقة من العيوب. السابعة: في اشتراط الإيمان فيها.
المسألة الأولى : أما مقدار الإطعام؟ فقال مالك والشافعي وأهل المدينة: يعطى لكل مسكين مد من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن مالكا قال: المد خاص بأهل المدينة فقط لضيق معايشهم. وأما سائر المدن فيعطون الوسط من نفقتهم. وقال ابن القاسم: يجري المد في كل مدينة مثل قول الشافعي. وقال أبو حنيفة: يعطيهم نصف صاع من حنطة أو صاعا من شعير أو تمر قال: فإن غداهم وعشاهم أجزأه. والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تأويل قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} هل المراد بذلك أكلة واحدة أو قوت اليوم وهو غداء وعشاء؟ فمن قال أكلة واحدة قال: المد وسط في الشبع ومن قال غداء وعشاء قال: نصف صاع.