ولاختلافهم أيضا سبب آخر وهو تردد هذه الكفارة بين كفارة الفطر متعمدا في رمضان وبين كفارة الأذى فمن شبهها بكفارة الفطر قال مد واحد ومن شبهها بكفارة الأذى قال نصف صاع. واختلفوا هل يكون مع الخبز في ذلك إدام أم لا؟ وإن كان فما هو الوسط فيه؟ فقيل يجزي الخبز قفارا وقال ابن حبيب: لا يجزي وقيل الوسط من الإدام الزيت وقيل اللبن والسمن والتمر. واختلف أصحاب مالك من الأهل الذين أضاف إليهم الوسط من الطعام في قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} فقيل أهل المكفر وعلى هذا إنما يخرج الوسط من الشيء الذي منه يعيش إن قطنية فقطنية وإن حنطة فحنطة وقيل بل هم أهل البلد الذي هو فيهم وعلى هذا فالمعتبر في اللازم له هو الوسط من عيش أهل البلد لا من عيشه: أعني الغالب وعلى هذين القولين يحمل قدر الوسط من الإطعام أعني الوسط من قدر ما يطعم أهله أو الوسط من قدر ما يطعم أهل البلد أهليهم إلا في المدينة خاصة.
وأما المسألة الثانية : وهي المجزئ من الكسوة فإن مالكا رأى أن الواجب في ذلك هو أن يكسي ما يجزي فيه الصلاة فإن كسا الرجل كسا ثوبا وإن كسا النساء كسا ثوبين درعا وخمارا. وقال الشافعي وأبو حنيفة: يجزي في ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم إزار أو قميص أو سراويل أو عمامة وقال أبو يوسف لا تجزي العمامة ولا السراويل. وسبب اختلافهم هل الواجب الأخذ بأقل دلالة الاسم اللغوي أو المعنى الشرعي.
وأما المسألة الثالثة : وهي اختلافهم في اشتراط تتابع الأيام الثلاثة في الصيام فإن مالكا والشافعي لم يشترطا في ذلك وجوب التتابع وإن كانا استحباه واشترط ذلك أبو حنيفة. وسبب اختلافهم في ذلك شيئان: أحدهما هل يجوز العمل بالقراءة التي ليست في المصحف وذلك أن في قراءة عبد الله بن مسعود -فصيام ثلاثة أيام متتابعات-. والسبب الثاني اختلافهم هل يحمل الأمر بمطلق الصوم على التتابع أم ليس يحمل إذا كان الأصل في الصيام الواجب بالشرع إنما هو التتابع.
وأما المسألة الرابعة : وهي اشتراط العدد في المساكين فإن مالكا والشافعي قالا: لا يجزيه ألا أن يطعم عشرة مساكين وقال أبو حنيفة: إن أطعم مسكينا