هذه الطهارة في مس المصحف وإذا لم يكن هنالك دليل لا من كتاب ولا من سنة ثابتة بقي الأمر على البراءة الأصلية وهي الإباحة احتج الجمهور لمذهبهم بحديث عمرو بن حزم أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب: لا يمس القرآن إلا طاهر, وأحاديث عمرو بن حزم اختلف الناس في وجوب العمل بها لأنها مصحفة ورأيت ابن المفوز يصححها إذا روتها الثقات لأنها كتاب النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأهل الظاهر يردونها ورخص مالك للصبيان في مس المصحف على غير لأنهم غير طهر مكلفين.
المسألة الثانية : اختلف الناس في إيجاب الوضوء على الجنب في أحوال: أحدها إذا أراد أن ينام وهو جنب فذهب الجمهور إلى استحبابه دون وجوبه وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضأ واغسل ذكرك ثم نم" وهو أيضا مروي عنه من طريق عائشة. وذهب الجمهور إلى حمل الأمر بذلك على الندب والعدول به عن ظاهره لمكان عدم مناسبته وجوب الطهارة لإرادة النوم أعني المناسبة الشرعية وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فأتي بطعام فقالوا: ألا نأتيك بطهر؟ فقال: "أأصلي فأتوضأ" . وفي بعض رواياته: فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: "ما أردت الصلاة فأتوضأ" والاستدلال به ضعيف فإنه من باب مفهوم الخطاب من أضعف أنواعه وقد احتجوا بحديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب لا يمس الماء إلا أنه حديث ضعيف. وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن يأكل أو يشرب وعلى الذي يريد أن يعاود أهله فقال الجمهور في هذا كله بإسقاط الوجوب لعدم مناسبة الطهارة لهذه الأشياء وذلك أن الطهارة إنما فرضت في الشرع لأحوال التعظيم كالصلاة وأيضا لمكان تعارض الآثار في ذلك وذلك أنه روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعاود أهله أن يتوضأ