كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

لزوم النذر المطلق إنما فعل ذلك من قبل أنه حمل الأمر بالوفاء على الندب وكذلك من اشترط فيه الرضا فإنما اشترطه لأن القربة إنما تكون على جهة الرضا لا على جهة اللجاج وهو مذهب الشافعي. وأما مالك فالنذر عنده لازم على أي جهة وقع فهذا ما اختلفوا في لزومه من جهة اللفظ. وأما ما اختلفوا في لزومه من جهة الأشياء المنذور بها فإن فيه من المسائل الأصول اثنتين.
المسألة الأولى : اختلفوا فيمن نذر معصية فقال مالك والشافعي وجمهور العلماء: ليس يلزمه في ذلك شيء وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون: بل هو لازم واللازم عندهم فيه هو كفارة يمين لا فعل المعصية. وسبب اختلافهم تعارض ظواهر الآثار في هذا الباب وذلك أنه روي في هذا الباب حديثان حديث عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" فظاهر هذا أنه لا يلزم النذر بالعصيان. والحديث الثاني حديث عمران بن حصين وحديث أبي هريرة الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين" وهذا نص في معنى اللزوم فمن جمع بينهما في هذا قال: الحديث الأول تضمن الإعلام بأن المعصية لا تلزم وهذا الثاني تضمن لزوم الكفارة فمن رجح ظاهر حديث عائشة إذ لم يصح عنده حديث عمران وأبي هريرة قال: ليس يلزم في المعصية شيء ومن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين أوجب في ذلك كفارة يمين. قال أبو عمر بن عبد البر ضعف أهل الحديث حديث عمران وأبي هريرة قالوا: لأن حديث أبي هريرة يدور على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث. وحديث عمران بن الحصين يدور على زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يرو ابنه وزهير أيضا عنده مناكير ولكنه خرجه مسلم من طريق عقبة بن عامر وقد جرت عادة المالكية أن يحتجوا لمالك في هذه المسألة بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال: "ما بال هذا؟" قالوا: نذر أن لا يتكلم ولا يستظل ولا يجلس ويصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الصفحة 423