كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

الطهارة ظاهر من أمرها أنها شرط في صحة الوضوء لا أن الوضوء شرط في صحتها فهو من باب معارضة القياس الأحاديث على القياس فذهب قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث وغلبوا ذلك على قياسها على الوضوء فلم يوجبوا التدلك وغلب آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر هذه الأحاديث فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى إسقاط التدلك وأعني بالقياس: قياس الطهر على الوضوء. وأما الاحتجاج من طريق الاسم ففيه ضعف إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلام العرب على المعنيين جميعا على حد سواء.
المسألة الثانية : اختلفوا هل من شروط هذه الطهارة النية أم لا؟ كاختلافهم في الوضوء فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود وأصحابه إلى أن النية من شروطها وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنها المساجد بغير نية كالحال في الوضوء عندهم. وسبب اختلافهم في الطهر هو بعينه سبب اختلافهم في الوضوء وقد تقدم ذلك.
المسألة الثالثة : اختلفوا في المضمضة والاستنشاق في هذه الطهارة أيضا كاختلافهم فيهما في الوضوء أعني هل هما واجبان فيها أم لا؟ فذهب قوم إلى أنهما غير واجبين فيها وذهب قوم إلى وجوبهما وممن ذهب إلى عدم وجوبهما مالك والشافعي وممن ذهب إلى وجوبهما أبو حنيفة وأصحابه. وسبب اختلافهم معارضة ظاهر حديث أم سلمة للأحاديث التي نقلت من صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام في طهره وذلك أن الأحاديث التي نقلت من صفة وضوئه في الطهر فيها المضمضة والاستنشاق وحديث أم سلمة ليس فيه أمر لا بمضمضة ولا باستنشاق فمن جعل حديث عائشة وميمونة مفسرا لمجمل حديث أم سلمة ولقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} أوجب المضمضة والاستنشاق ومن جعله معارضا جمع بينهما بأن حمل حديثي عائشة وميمونة على الندب وحديث أم سلمة على الوجوب ولهذا السبب بعينه اختلفوا في تخليل الرأس هل هو واجب في هذه الطهارة أم لا؟ ومذهب مالك أنه مستحب ومذهب غيره أنه واجب وقد عضد مذهبه

الصفحة 45