كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

فقال الجمهور: تؤكل وهو مروي عن علي ولست أذكر فيه في هذا الوقت خلافا ويتطرق إليه الاحتمال بأن يقال إن الأصل هو أن لا يؤكل من تذكيتهم إلا ما كان على شروط الإسلام فإذا قيل على هذا إن التسمية من شرط التذكية وجب أن لا تؤكل ذبائحهم بالشك في ذلك. وأما إذا علم أنهم ذبحوا ذلك لأعيادهم وكنائسهم فإن من العلماء من كرهه وهو قول مالك ومنهم من أباحه وهو قول أشهب ومنهم من حرمه وهو الشافعي. وسبب اختلافهم تعارض عمومي الكتاب في هذا الباب وذلك أن قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} يحتمل أن يكون مخصصا لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} مخصصا لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} إذ كان كل واحد منهما يصح أن يستثنى من الآخر فمن جعل قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} مخصصا لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} قال: لا يجوز ما أهل به للكنائس والأعياد ومن عكس الأمر قال: يجوز. وأما إذا كانت الذبيحة مما حرمت عليهم فقيل يجوز وقيل لا يجوز وقيل بالفرق بين أن عليهم بالتوراة أو من قبل أنفسهم أعني بإباحة ما ذبحوا مما حرموا على أنفسهم ومنع ما حرم الله عليهم وقيل يكره ولا يمنع. والأقاويل الأربعة قوما في المذهب: المنع عن ابن القاسم والإباحة عن ابن وهب وابن عبد الحكم والتفرقة عن أشهب. وأصل الاختلاف معارضة عموم الآية لاشتراط نية الذكاة: أعني اعتقاد تحليل الذبيحة بالتذكية فمن قال ذلك شرط في التذكية قال لا تجوز هذه الذبائح لأنهم لا يعتقدون تحليلها بالتذكية ومن قال ليس بشرط فيها وتمسك بعموم الآية المحللة قال: تجوز هذه الذبائح. وهذا بعينه هو سبب اختلافهم في أكل الشحوم من ذبائحهم ولم يخالف في ذلك أحد غير مالك وأصحابه فمنهم من قال: إن وهو قول أشهب ومنهم من قال مكروهة والقولان عن مالك ومنهم من قال مباحة. ويدخل في الشحوم سبب آخر الخلاف سوى معارضة العموم لاشتراط اعتقاد تحليل الذبيحة بالذكاة وهو هل تتبعض التذكية أو لا تتبعض؟ فمن قال تتبعض قال: لا تؤكل الشحوم ومن قال لا تتبعض

الصفحة 451