في الجوارح فإن منها ما اتفقوا عليه وهو التعليم بالجملة لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أرسلت كلبك المعلم" واختلفوا في صفة التعليم وشروطه فقال قوم: التعليم ثلاثة أصناف: أحدها أن تدعو الجارح فيجيب. والثاني أن تشليه فينشلي. والثالث أن تزجره فيزدجر. ولا خلاف بينهم في اشتراط هذه الثلاثة في الكلب وإنما اختلفوا في اشتراط الانزجار في سائر الجوارح فاختلفوا أيضا في هل من شرطه أن لا يأكل الجارح؟ فمنهم من اشترطه على الإطلاق ومنهم من اشترطه في الكلب فقط وقول مالك: إن هذه الشروط الثلاثة شرط في الكلاب وغيرها وقال ابن حبيب من أصحابه: ليس يشترط الانزجار فيما ليس يقبل ذلك من شرط الجوارح مثل البزاة والصقور وهو مذهب مالك أعني أنه ليس من شرط الجارح لا كلب ولا غيره أن لا يأكل واشترطه بعضهم في الكلب ولم يشترطه فيما عداه من جوارح الطيور ومنهم من اشترطه كما قلنا في الكل والجمهور على جواز أكل صيد البازي والصقر وإن أكل لأن تضريته إنما تكون بالأكل. فالخلاف في هذا الباب راجع إلى موضعين: أحدهما هل من شرط التعليم أن ينزجر إذا زجر؟ والثاني هل من شرطه ألا يأكل؟. وسبب الخلاف في اشتراط الأكل أو عدمه شيئان: أحدهما اختلاف الآثار في ذلك. والثاني هل إذا أكل فهو ممسك أم لا؟ فأما الآثار فمنها حديث عدي بن حاتم المتقدم وفيه: فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه والحديث المعارض لهذا حديث أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل" قلت: وإن أكل منه يا رسول الله؟ قال: "وإن أكل" فمن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث عدي بن حاتم على الندب وهذا على الجواز قال: ليس من شرطه ألا يأكل ومن رجح حديث عدي بن خاتم إذ هو حديث متفق عليه وحديث أبي ثعلبة مختلف فيه ولذلك لم يخرجه الشيخان البخاري ومسلم وقال من شرط الإمساك أن لا يأكل بدليل الحديث المذكور. قال إن أكل من الصيد لم يؤكل وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحق والثوري وهو قول ابن عباس ورخص في أكل ما أكل الكلب كما قلنا مالك وسعيد بن مالك وابن عمر وسليمان. وقالت