وقد سئل عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق ومن ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل" يقتضي الندب أو الإباحة فمن فهم منه الندب قال: العقيقة سنة ومن فهم الإباحة قال: ليست بسنة ولا فرض وخرج الحديثين أبو داود ومن أخذ بحديث سمرة أوجبها.
وأما محلها فإن جمهور العلماء على أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية. وأما مالك فاختار فيها الضأن على مذهبه في الضحايا واختلف قوله هل يجزي فيها الإبل والبقر أو لا يجزي؟ وسائر الفقهاء على أصلهم أن الإبل أفضل من البقر والبقر أفضل من الغنم. وسبب اختلافهم تعارض الآثار في هذا الباب والقياس. أما الأثر فحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا وقوله: "عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان" خرجهما أبو داود. وأما القياس فلأنها نسك فوجب أن يكون الأعظم فيها أفضل قياسا على الهدايا.
وأما من يعق عنه فإن جمهورهم على أنه يعق عن الذكر والأنثى الصغيرين فقط وشذ الحسن فقال: لا يعق عن الجارية وأجاز بعضهم أن يعق عن الكبير. ودليل الجمهور على تعلقها بالصغير قوله عليه الصلاة والسلام: "يوم سابعه" . ودليل من خالف ما روي عن أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام عق عن نفسه بعد ما بعث بالنبوة ودليلهم أيضا على تعلقها بالأنثى قوله عليه الصلاة والسلام: "عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان" . ودليل من اقتصر بها على الذكر قوله عليه الصلاة والسلام: "كل غلام مرتهن بعقيقته" . وأما العدد فإن الفقهاء اختلفوا أيضا في ذلك فقال مالك: يعق عن الذكر والأنثى بشاة شاة وقال الشافعي وأبو ثور وأبو داود وأحمد: يعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان. وسبب اختلافهم اختلاف الآثار في هذا الباب. فمنها حديث أم كرز الكعبية خرجه أبو داود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في العقيقة عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة" والمكافأتان: المتماثلتان. وهذا يقتضي الفرق في ذلك بين الذكر والأنثى وما روي أنه عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا يقتضي الاستواء بينهما.