ما جزر عنه البحر إذ لم يرد في ذلك تعارض ومن رجح حديث أبي هريرة قال بالإباحة مطلقا. وأما من قال بالمنع مطلقا فمصيرا إلى ترجيح عموم الكتاب وبالإباحة مطلقا قال مالك والشافعي وبالمنع مطلقا قال أبو حنيفة وقال قوم غير هؤلاء بالفرق. وأما الخمسة التي ذكر الله مع الميتة فلا خلاف أن حكمها عندهم حكم الميتة. وأما الجلالة وهي التي تأكل النجاسة فاختلفوا في أكلها. وسبب اختلافهم معارضة القياس للأثر. أما الأثر فما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن لحوم الجلالة وألبانها خرجه أبو داود عن ابن عمر. وأما القياس المعارض لهذا فهو أن ما يرد جوف الحيوان ينقلب إلى لحم ذلك الحيوان وسائر أجزائه فإذا قلنا إن لحم الحيوان حلال وجب أن يكون لما ينقلب من ذلك حكم ما ينقلب إليه وهو اللحم كما لو انقلب ترابا أو كانقلاب الدم لحما والشافعي يحرم الجلالة ومالك يكرهها وأما النجاسة تخالط الحلال فالأصل فيه الحديث المشهور من حديث أبي هريرة وميمونة أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن الفأرة تقع في السمن فقال: "إن كان جامدا فاطرحوها وما حولها وكلوا الباقي وإن كان ذائبا فأريقوه أو لا تقربوه" وللعلماء في النجاسة تخالط المطعومات الحلال مذهبان: أحدهما من يعتبر في التحريم المخالطة فقط وإن لم يتغير للطعام لون ولا رائحة ولا طعم من قبل النجاسة التي خالطته وهو المشهور والذي عليه الجمهور. والثاني مذهب من يعتبر في ذلك التغير وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك. وسبب اختلافهم اختلافهم في مفهوم الحديث وذلك أن منهم من جعله من باب الخاص أريد به الخاص وهم أهل الظاهر فقالوا: هذا الحديث يمر على ظاهره وسائر الأشياء يعتبر فيها تغيرها بالنجاسة أو لا تغيرها بها ومنهم من جعله من باب الخاص أريد به العام وهم الجمهور فقالوا المفهوم منه أن بنفس مخالطة النجس ينجس الحلال إلا أنه لم يتعلل لهم الفرق بين أن يكون جامدا أو ذائبا لوجود المخالطة في هاتين الحالتين وإن كانت في إحدى الحالتين أكثر: أعني في حالة الذوبان ويجب على هذا أن يفرق بين المخالطة القليلة والكثيرة فلما لم يفرقوا بينهما فكأنهم اقتصروا من بعض الحديث على ظاهره ومن بعضه على القياس عليه ولذلك أقرته الظاهرية كله على ظاهره. وأما المحرمات لعينها فمنها