كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

والسبب في اختلافهم في ذلك تعارض الأحاديث في ذلك لأنه ورد في ذلك حديثان ثابتان اتفق أهل الصحيح على تخريجهما. قال القاضي رضي الله عنه: ومتى قلت ثابت فإنما أعني به ما أخرجه البخاري أو مسلم أو ما اجتمعا عليه أحدهما حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل" والحديث الثاني حديث عثمان أنه سئل فقيل له أرأيت الرجل إذا جامع أهله ولم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب العلماء في هذين الحديثين مذهبين: أحدهما مذهب النسخ, والثاني مذهب الرجوع إلى ما عليه الاتفاق عند التعارض الذي لا يمكن الجمع فيه ولا الترجيح. فالجمهور رأوا أن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عثمان ومن الحجة لهم على ذلك ما روى عن أبي بن كعب أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام ثم أمر بالغسل خرجه أبو داود. وأما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما لا يمكن الجمع فيه بينهما ولا الترجيح فوجب الرجوع عنده إلى ما عليه الاتفاق وهو وجوب الماء من الماء. وقد رجح الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القياس قالوا: وذلك أنه لما وقع الإجماع على أن مجاورة الختانين توجب الحد وجب أن يكون هو الموجب للغسل وحكوا أن هذا القياس مأخوذ عن الخلفاء الأربعة ورجح الجمهور ذلك أيضا من حديث عائشة لإخبارها ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه مسلم.
المسألة الثانية : اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا للطهر. فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك. وذهب الشافعي إلى أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء أخرج بلذة أو بغير لذة وسبب اختلافهم في ذلك هو شيئان: أحدهما هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على الجهة الغير المعتادة أم ليس ينطلق عليه؟ فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة لم يوجب الطهر في خروجه من غير لذة ومن

الصفحة 47