عموم أم ليس له؟ فإن إنسان الماء وخنزيره يقالان مع خنزير البر وإنسانه باشتراك الاسم فمن سلم أن هذه الأسماء لغوية ورأى أن للاسم المشترك عموما لزمه أن يقول بتحريمها ولذلك توقف مالك في ذلك وقال: أنتم تسمونه خنزيرا. فهذه حال الحيوان المحرم الأكل في الشرع والحيوان المباح الأكل وأما النبات الذي هو غذاء فكله حلال إلا الخمر وسائر الأنبذة المتخذة من العصارات التي تتخمر ومن العسل نفسه. أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها: أعني التي هي من عصير العنب. وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر وأجمعوا على أن المسكر منها حرام فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام. وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين. وسبب اختلافهم تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب فللحجازيين في تثبيت مذهبهم طريقتان: الطريقة الأولى الآثار الواردة في ذلك. والطريقة الثانية تسمية الأنبذة بأجمعها خمرا. فمن أشهر الآثار التي تمسك بها أهل الحجاز ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع وعن نبيذ العسل؟ فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" خرجه البخاري. وقال يحيى بن معين: هذا أصح حديث روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في تحريم المسكر ومنها أيضا ما خرجه مسلم عن ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" فهذان حديثان صحيحان. أما الأول فاتفق الكل عليه. وأما الثاني فانفرد بتصحيحه مسلم. وخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وهو نص في موضع الخلاف. وأما الاستدلال الثاني من أن الأنبذة كلها تسمى خمرا فلهم في ذلك طريقتان: إحداهما من جهة إثبات الأسماء بطريق الاشتقاق والثاني من جهة السماع. فأما التي من جهة الاشتقاق