الشرع أن الأحكام المختلفة إنما هي للذوات المختلفة وأن الخمر غير ذات الخل والخل بإجماع حلال فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب أن يكون حلالا كيفما انتقل.
الجملة الثانية: في استعمال المحرمات في حال الاضطرار
والأصل في هذا الباب قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} والنظر في هذا الباب في السبب المحلل وفي جنس الشيء المحلل وفي مقداره. فأما السبب فهو ضرورة التغذي: أعني إذا لم يجد شيئا حلالا يتغذى به وهو لا خلاف فيه. وأما السبب الثاني طلب البرء وهذا المختلف فيه فمن أجازه احتج بإباحة النبي عليه الصلاة والسلام الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكان حكة به ومن منعه فلقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" . وأما جنس الشيء المستباح فهو كل شيء محرم مثل الميتة وغيرها والاختلاف في الخمر عندهم هو من قبل التداوي بها لا من قبل استعمالها في التغذي ولذلك أجازوا للعطشان أن يشربها إن كان منها ري وللشرق أن يزيل شرقه بها. وأما مقدار ما يؤكل من الميتة وغيرها فإن مالكا قال: حد ذلك الشبع والتزود منها حتى يجد غيرها وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يأكل منها إلا ما يمسك الرمق وبه قال بعض أصحاب مالك. وسبب الاختلاف هل المباح له في حال الاضطرار أم ما يمسك الرمق فقط؟ والظاهر لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} واتفق مالك والشافعي على أنه لا يحل للمضطر أكل الميتة إذا كان عاصيا بسفره لقوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} وذهب غيره إلى جواز ذلك.