أبو حنيفة وأصحابه إلى أن ذلك جائز إذا طهرت لأكثر أمد الحيض وهو حائض طهرت متى طهرت وبه قال أبو محمد بن حزم. وسبب اختلافهم الاحتمال الذي في قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} هل المراد به الطهر الذي هو انقطاع دم الحيض أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالماء فهل المراد به طهر جميع الجسد أم طهر الفرج؟ فإن الطهر في كلام العرب وعرف الشرع اسم مشترك يقال على هذه الثلاثة المعاني وقد رجح الجمهور مذهبهم بأن صيغة التفعل إنما تنطلق على ما يكون من فعل المكلفين لا على ما يكون من فعل غيرهم فيكون قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أظهر في معنى الغسل بالماء منه في الطهر الذي هو انقطاع الدم والأظهر يجب المصير إليه حتى يدل الدليل على خلافه ورجح أبو حنيفة مذهبه بأن لفظ يفعلن في قوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} هو أظهر في الطهر الذي هو انقطاع دم الحيض منه في التطهر بالماء. والمسألة كما ترى محتملة ويجب على من فهم من لفظ الطهر في قوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} معنى واحدا من هذه المعاني الثلاثة أن يفهم ذلك المعنى بعينه من قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} لأنه مما ليس يمكن أو مما يعسر أن يجمع في الآية بين معنيين من هذه المعاني مختلفين حتى يفهم من لفظة يطهرن النقاء ويفهم من لفظ تطهرن الغسل بالماء على ما جرت به عادة المالكيين في الاحتجاج لمالك فإنه ليس من عادة العرب أن يقولوا لا تعط فلانا درهما حتى يدخل الدار فإذا دخل المسجد فأعطه درهما بل إنما يقولون وإذا دخل الدار فأعطه درهما لأن الجملة الثانية هي مؤكدة لمفهوم الجملة الأولى. ومن تأول قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} على أنه النقاء وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} على أنه الغسل بالماء فهو بمنزلة من قال لا تعط فلانا درهما حتى يدخل الدار فإذا دخل المسجد فأعطه درهما وذلك غير مفهوم في كلام العرب إلا أن يكون هنالك محذوف ويكون تقدير الكلام: ولا تقربوهن حتى يطهرن ويتطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله وفي تقدير هذا الحذف بعد أما