كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب. ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الأحاديث على الندب وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب حسن إذا كان الجمع أولى من الترجيح عند أهل الكلام الفقهي إلا أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلك الأحاديث.
المسألة الثانية : اختلف العلماء في عدد الضربات على الصعيد للتيمم فمنهم من قال واحدة ومنهم من قال اثنتين والذين قالوا اثنتين منهم من قال: ضربة للوجه وضربة لليدين وهم الجمهور وإذا قلت الجمهور فالفقهاء الثلاثة معدودون فيهم: أعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة. ومنهم من قال: ضربتان لكل واحد منهما: أعني لليد ضربتان وللوجه ضربتان. والسبب في اختلافهم أن الآية مجملة في ذلك والأحاديث متعارضة وقياس التيمم على الوضوء في جميع أحواله غير متفق عليه والذي في حديث عمار الثابت من ذلك إنما هو ضربة واحدة للوجه والكفين معا لكن ها هنا أحاديث فيها ضربتان فرجح الجمهور هذه الأحاديث لمكان قياس التيمم على الوضوء.
المسألة الثالثة : اختلف الشافعي مع مالك وأبي حنيفة وغيرهما في وجوب توصيل التراب إلى أعضاء التيمم فلم ير ذلك أبو حنيفة واجبا ولا مالك ورأى ذلك الشافعي واجبا. وسبب اختلافهم الاشتراك الذي في حرف من في قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وذلك أن من ترد للتبعيض وقد ترد لتمييز الجنس فمن ذهب إلى أنها هنا للتبعيض أوجب نقل التراب إلى أعضاء التيمم. ومن رأى أنها لتمييز الجنس قال: ليس النقل واجبا. و الشافعي إنما رجح حملها على التبعيض من جهة قياس التيمم على الوضوء لكن يعارضه حديث عمار المتقدم لأن فيه ثم تنفخ فيها وتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحائط. وينبغي أن تعلم أن الاختلاف في وجوب الترتيب في التيمم ووجوب الفور فيه هو بعينه اختلافهم في ذلك في الوضوء وأسباب الخلاف هنالك هي أسبابه هنا فلا معنى لإعادته.

الصفحة 70