مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا وطىء أحدكم الأذى بنعليه فإن التراب له طهور" ذلك مما روي في هذا المعنى ومن رأى أن الماء في ذلك مزيد خصوص منع ذلك إلا في موضع الرخصة فقط وهو المخرجان. ولما طالبت الحنفية الشافعية بذلك الخصوص المزيد الذي للماء لجأوا في ذلك إلى أنها عبادة إذ لم يقدروا أن يعطوا في ذلك سببا معقولا حتى أنهم سلموا أن الماء لا يزيل النجاسة بمعنى معقول وإنما إزالته بمعنى شرعي حكمي وطال الخطب والجدل بينهم: هل إزالة النجاسة بالماء عبادة أو معنى معقول خلفا عن سلف واضطرت الشافعية إلى أن تثبت أن في الماء قوة شرعية في رفع أحكام النجاسات ليست في غيره وإن استوى مع سائر الأشياء في إزالة العين وأن المقصود إنما هو إزالة ذلك الحكم الذي اختص به الماء لإذهاب عين النجاسة بل قد يذهب العين ويبقى الحكم فباعدوا المقصد وقد كانوا اتفقوا قبل مع الحنفيين أن طهارة النجاسة ليست طهارة حكمية أعني شرعية ولذلك لم تحتج إلى نية ولو راموا الانفصال عنهم بأنا نرى أن للماء قوة إحالة للأنجاس والأدناس وقلعها من الثياب والأبدان ليست لغيره ولذلك اعتمده الناس في تنظيف الأبدان والثياب لكان قولا جيدا وغيره بعيد بل لعله واجب أن يعتقد أن الشرع إنما اعتمد في كل موضع غسل النجاسة بالماء لهذه الخاصية التي في الماء ولو كانوا قالوا هذا لكانوا قد قالوا في ذلك قولا هو أدخل في المذهب الفقه الجاري على المعاني وإنما يلجأ الفقيه إلى أن يقول عبادة إذا ضاق عليه المسلك مع الخصم فتأمل ذلك فإنه بين من أمرهم في أكثر المواضع وأما اختلافهم في الروث فسببه اختلافهم في المفهوم من النهي الوارد في ذلك عنه عليه الصلاة والسلام أعني أمره عليه الصلاة والسلام أن لا يستنجى بعظم ولا روث فمن دل عنده النهي على الفساد لم يجز ذلك ومن لم ير ذلك إذ كانت النجاسة معنى معقولا حمل ذلك على الكراهية ولم يعده إلى إبطال الاستنجاء بذلك ومن فرق بين العظام والروث فلأن الروث نجس عنده.