كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 1)

من صار إلى ظواهر هذه الآثار واستثناها من المفهوم فاقتصر بالعدد على هذه المحال التي ورد العدد فيها. وأما من رجح الظاهر على المفهوم فإنه عدى ذلك إلى سائر النجاسات. وأما حجة أبي حنيفة في الثلاثة فقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في إنائه" .
الباب السادس في آداب الإستنجاء
وأما آداب الاستنجاء ودخول الخلاء فأكثرها محمولة ثم الفقهاء على الندب وهي معلومة من السنة كالبعد في المذهب إذا أراد الحاجة وترك الكلام عليها والنهي عن الاستنجاء باليمين وألا يمس ذكره بيمينه وغير ذلك مما ورد في الآثار وإنما اختلفوا من ذلك في مسألة واحدة مشهورة وهي استقبال القبلة للغائط والبول واستدبارها فإن للعلماء فيها ثلاثة أقوال: إنه لا يجوز أن تستقبل القبلة لغائط ولا بول أصلا ولا في موضع من المواضع. وقول إن ذلك يجوز بإطلاق. وقول إنه يجوز في المباني والمدن ولا يجوز ذلك في الصحراء وفي غير المباني والمدن. والسبب في اختلافهم هذا حديثان متعارضان ثابتان: أحدهما حديث أبي أيوب الأنصاري أنه قال عليه الصلاة والسلام: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" . والحديث الثاني حديث عبد الله بن عمر أنه قال: ارتقيت على ظهر بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا لحاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر القبلة, فذهب الناس في هذين الحديثين ثلاثة مذاهب: أحدها مذهب الجمع. والثاني مذهب الترجيح. والثالث مذهب الرجوع إلى البراءة الأصلية إذا وقع التعارض, وأعني بالبراءة الأصلية عدم الحكم فمن ذهب مذهب الجمع حمل حديث أبي أيوب الأنصاري على الصحارى وحيث لا سترة وحمل حديث ابن عمر على السترة وهو مذهب مالك. ومن ذهب مذهب الترجيح رجح حديث أبي أيوب لأنه إذا تعارض حديثان أحدهما فيه شرع موضوع والآخر موافق للأصل الذي هو عدم الحكم ولم يعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب أن

الصفحة 87