كتاب تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (اسم الجزء: 1)

شريدا فزعا مرعو بالا يأمن فأخذ بيد أخته اقليميا وهرب بها الى عدن من أرض اليمن* وفى بحر العلوم بعد ما دفن قابيل أخاه انطلق هاربا حتى أوى الى واد من أودية اليمن فى شرقى عدن فكمن فيه زمانا وبلغ آدم ما صنع قابيل فوجد آدم هابيل قتيلا ووجد الارض قد نشفت دمه فلعن الارض عند ذلك فمن أجل لعن آدم لا تنشف الارض دما بعد دم هابيل الى يوم القيامة وأنبتت الشوك ثم ان آدم احتمل ابنه على عنقه زمانا طويلا يد وربه فى البلاد ولا تجف دموعه ثم دفنه* وفى رواية لم يقتله حتى غاب آدم للحج ففعل ذلك ثم رجع آدم فلم يجد هابيل ووجد سائر أولاده ونوافله قد استقبلوه فقال أين هابيل فاعتل قابيل بشئ ثم ظهر له ذلك فلعن الارض بتنشيف دمه فأخرجت ما كانت نشفت وتزلزلت وهربت السباع الى الجبال وقالوا زال الامن من الناس فقد قتل الاخ أخاه وعق الولد أباه ودعا آدم على قابيل فأمر الله تعالى الارض بأن تخسفه فخسفته الى ركبتيه ثم كان من مناجاته يا رب أنت أرحم الراحمين لا تترك رحمتك لذنبى فأمر الله الارض أن تطلقه وأتاه ملك فكسر رجليه ويديه وقيده وغله وطاف به مجرورا على الارض فى الدنيا كلها سبع مرّات وكان يعذب فى هذه الطوفات فى الشتاء بجبال الثلج وفى الصيف بجبال النار ثم رماه بعض أولاده من نوافله بحجر فرضخه فقتله فصار الى النار فبئس القرار قال الله تعالى فى حاله فى جهنم وقول أهل النار ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجنّ والانس الآية* وفى حديث مقاتل باسناده عن علىّ كرّم الله وجهه لما أنكر قابيل قتل هابيل شهدت جوارحه وبعث الله ملكا فأخذه واستقبل به الشمس يدور معها حيث دارت يعذبه بالنار فى الصيف وبالزمهرير فى الشتاء ثمانين سنة ثم ألقاه الى الارض ثم أمر بخسفه فى الارض* قال العتابى سلط الله على قابيل الريح حتى ألقته الى أقرب موضع من الشمس وأشدّها حرّا فى الصيف حتى يحترق وفى الشتاء ألقته الى أبعد موضع من الشمس وأشدّها بردا وهكذا يحوّله ويعذبه الى يوم القيامة وهو قول مجاهد* وقيل ان قابيل كان من لقمة آدم التى نهى عنها فى الجنة فظهر ذلك فى ولده فصار اماما للكفرة والظلمة ويأجوج ومأجوج من نسله* وفى معالم التنزيل لما قتل قابيل هابيل وآدم حينئذ بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الاطعمة وحمضت الفواكه ومرّ الماء واغبرت الارض وعن علىّ رضى الله عنه اغبرّت الارض وانتقصت الاشياء كلها يومئذ طعوم الثمار وضوء الشمس ونور القمر وريح الرياحين والطيب وعذوبة الماء ونبت العوسج فقال آدم قد حدث فى الارض شئ فأتى الهند فاذا قابيل قد قتل هابيل فبكى آدم وحوّاء وامتنع من غشيانها وناح آدم وحوّاء عليه بهذه الابيات وهو أوّل من قال الشعر والله أعلم
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الارض مغبرّ قبيح
تغير كل ذى طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
فوا أسفا على هابيل ابنى ... قتيلا قد تضمنه الضريح
وقابيل أذاق الموت هابيل ... فواجزنى لقد فقد المليح
وجاءت شهلة ولها أنين ... لها بلها وقابلها تصيح
لقتل ابن النبىّ بغير جرم ... فقلبى عند قتلته جريح
وجاورنا عدوّ ليس يفنى ... لعين لا يموت فنستريح
وقالت حوّاء رحمها الله تعالى
دع الشكوى فقد هلكا جميعا ... يهلك ليس بالثمن الربيح
وما يغنى البكاء عن البواكى ... اذا ما المرء غيب فى الضريح
فبك النفس منك ودع هواها ... فلست مخلدا بعد الذبيح

الصفحة 61