كتاب تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (اسم الجزء: 1)

رؤسها وقال اشربى استهزاء بقومه وبما هم فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها فى قومه وأهل قريته فحاجه قومه وجادلوه فى دينه قال أتحاجونى فى الله وقد هدان وخوّفوه من آلهتهم فقالوا له احذر الاصنام فانا نخاف أن تمسك بسوء من خبل أو جنون بعيبك اياها فقال لهم ولا أخاف ما تشركون به وقال لابيه وقومه ما هذه التماثيل والصور يعنى الاصنام التى أنتم لها عاكفون مقيمون على عبادتها قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين فاقتدينا بهم قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم فى ضلال مبين وخطائين بعبادتكم اياها قالوا له أجئتنا بالحق والجدّ أم أنت من اللاعبين الهازلين قال بل ربكم رب السموات والارض وخالقهنّ وتا لله لاكيدنّ أصنامكم ولا مكرنّ بها بعد أن تولوا مدبرين أى تدبروا منطلقين الى عيدكم* قال السدّى كان لهم فى كل سنة عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفرش ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم الى عيدهم يزعمون التبرّك عليهم واذا انصرفوا من عيدهم دخلوا على الاصنام فسجدوا لها وأكلوا الطعام ثم عادوا الى منازلهم فلما كانت الليلة التى من غدها عيدهم قالوا لابراهيم ألا تخرج معنا غدا الى عيدنا فنظر الى النجوم فقال انى سقيم* قال ابن عباس مطعون وكانوا يفرّون من الطاعون فرارا عظيما وكانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم فى أصنامهم ويلزمهم الحجة فى أنها غير معبودة فلما كان ذلك العيد من غد تلك الليلة قال أبو ابراهيم له يا ابراهيم لو خرجت معنا لى أعيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال انى سقيم قال ابن عباس أشتكى رجلىّ فتولوا عنه مدبرين الى عيدهم فلما مضوا نادى فى آخرهم وقد بقى فى ضعفة الناس تا لله لاكيدنّ أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع ابراهيم الى بيت الآلهة وهنّ فى بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم الى جنبه صنم أصغر منه والاصنام بعضها الى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه الى باب البهو واذاهم جعلوا طعاما ووضعوه بين أيدى الآلهة وقالوا اذا رجعنا وباركت الآلهة فى طعامنا أكلنا فلما نظر اليهم ابراهيم والى ما بين أيديهم قال لهم على طريق الاستهزاء ألا تأكلون فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون فجعل يضربهنّ ويكسرهنّ بفأس فى يده حتى جعلهم جذاذا وكسرهم قطعا فلما لم يبق الا الصنم الاكبر علق الفأس فى عنقه ثم خرج وكانت اثنتين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من رصاص ومن حديد ومن خشب وحجر وكان الصنم الاكبر من الذهب مكلل بالجواهر وفى عينيه ياقوتتان تتقدان ولما أخبر القوم صنيع ابراهيم بآلهتهم رجعوا من عيدهم وأقبلوا اليه مسرعين ليأخذوه فلما دخلوا بيت الآلهة ورأوا الاصنام جذاذا قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين المجرمين قال الذين سمعوا قول ابراهيم وتالله لاكيدنّ أصنامكم سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم* قال مجاهد وقتادة لم يسمع ذلك القول من ابراهيم الا واحد منهم فأفشاه عليه فقال أنا سمعت فتى يذكرهم بالسوء ويعيبهم يقال له ابراهيم أظنّ أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه قالوا فأتوا به وأحضروه على أعين الناس يعنى ظاهرا بمرأى منهم لعلهم يشهدون عليه بالذى فعل أو يحضرون عقابه وما يصنع به فلما أتوا به قالوا له أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهنّ وأراد بذلك ابراهيم اقامة الحجة عليهم والزامهم وقال لهم فاسألوهم ان كانوا ينطقون حتى يخبروا بمن فعل هذا فرجعوا الى أنفسهم وعقولهم وتفكروا بقلوبهم فأجرى الله الحق على لسانهم فقالوا ما نراه الا كما قال انكم أنتم الظالمون بعبادتكم من لا يتكلم ثم أدركتم الشقاوة فرجعوا الى حالتهم الاولى وقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لابراهيم قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ان عبدتموه ولا يضرّكم ان تركتم عبادته أليس لكم عقل

الصفحة 81