كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

العِمامة والإزار، والغليظَ الأبيض من الثياب، ولبس في الشتاء قميصين وجبةً ملونةً، وربما لبس قميصاً وفرواً، وربما لبس الفرو فوق الجبة في البرد الشديد، ويلبس العمامة فوق القَلَنْسوة، وربما لبس القلنسوةَ بغير عِمامة، ولبس السراويل والرداء، ولم يُرَ لابساً طيلساناً قط، ولم يُرْخ كُمًّا في مشيه، وكانت سراويله فوق كعبه، وخضب لحيته ورأسه بالحناء وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكان لا يخوض في شيء من أمور الناس، ذا وقار وسكينة، مِنْ أحيا الناس وأكرمِهم نفساً، وأحسنهم عشرة وأدباً، كثيرَ الإطراقِ وغضِّ البصر، معرِضاً عن اللغو، لا يُسْمَع منه إلا المذاكرةُ بالحديث، وذكر الصالحين.
قال الإمام أبو داود: كانت مجالس الإمام أحمدَ مجالسَ آخرة، لا يُذكر فيها شيء من أمر الدنيا، قال: وما سمعته ذكر الدنيا قَط (١).
وقال ثعلبٌ في صفته: رأيت رجلاً كأن النار توقد بين عينيه (٢).
وقال عبد الملك الميموني: ما أعلم أني رأيت أحداً أنضرَ ثوباً ولا أشدَّ تعاهداً لنفسه في ثيابه وشعر رأسه وبدنه من الإمام أحمد بن حنبل (٣).
وكان يحب الفقراء، ويعرض عن أهل الدنيا، وكان حسنَ الخلق، دائم البِشْر، لينَ الجانب، ليس بفظٍّ ولا غليظ، يحب في الله، ويُبغض في الله، ويحب لمن أحبهُ ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، لا تأخذه في الله لومة لائم، حسن الجوار، يؤذَى فيتحمل، وكان أصبرَ الناس على الوَحْدة،
---------------
(١) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٥/ ٢٩١).
(٢) انظر: "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص: ٢٠٥).
(٣) انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (٢/ ٣٤٠)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (١١/ ٢٠٨).

الصفحة 10