كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

وقيل لأبي زرعةَ: من أحفظُ مشايخ المحدثين؟ قال: أحمد (١).
وقال عبدُ الوهاب الوراق: ما رأيت مثلَ أحمدَ بنِ حنبلٍ، قالوا له: وأي شيء بانَ لك من فضلهِ وعلمه على سائر مَنْ رأيتَ؟ قال: رجل سُئل عن ستين ألفَ مسألةٍ، فأجابَ فيها بأن قال فيها: حدثنا، وأخبرنا (٢).
قلت: قد انفرد الإمام أحمد - رضي الله عنه - بثلاثِ مناقبَ لا أعلم من الأمة أحداً اشترك في واحدة منها:
الأولى: أنه أحاط بالسُّنة، ولا نعلم أحداً من الأئمة وصف غيره بها، وقد وصفه بها أئمةٌ من حفاظ المسلمين؛ كالحافظ ابن حجر العسقلاني، وغيره، وهذه رتبةٌ رفيعة، ودرجة منيعة، ودائرة وسيعة، وبالله التوفيق.
الثانية: ذكر الحافظ جلالُ الدين السيوطي في "ثمار منتهى العقول في منتهى النقول" (٣) ما نصه: انتهى الحفظُ لابن جريرٍ الطبري فريد [عصره] في علم التفسير، فكان يحفظ كتباً حمل ثمانين بعيراً، وحفظ ابن الأنباري في كل جمعة ألف كراس، وحفظ ثلاث مئة ألف بيت من الشعر استشهاداً للنحو، وكان الإمام الشافعي يحفظ من مرة أو نظرة، وابن سينا الحكيمُ حفظَ القرآنَ في ليلة واحدة، وأبو زُرعةَ كان يحفظ ألفَ ألفِ حديث، والبخاري حفظَ عشرها، وقال: والكل من بعض محفوظ الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -، انتهى.
---------------
(١) انظر: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب (٢/ ١٧٧)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (٢/ ٣٣٧).
(٢) رواه ابن أبي يعلى الحنبلي في "طبقات الحنابلة" (١/ ٢١٠).
(٣) طبعت هذه الرسالة في "مجلة التراث العربي" بدمشق، سنة (١٩٩٣ م)، العدد (٥١)، بتحقيق بديع السيد اللحام، تحت اسم: "مشتهى العقول في منتهى النقول".

الصفحة 14