كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

تواردا عليه شيءٌ واحد، وهو الماء. قال: فعدولُه عن ذلك يدل على أنه لم يردِ العطفَ، بل نبه على مآلِ الحال، والمعنى: أنه إذا بال فيه، قد يحتاجُ إليه، فيمتنعُ انتفاعُه منه (١).
ومثله قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَضْرِبَنَّ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الأَمَةِ، ثُم يُضاجِعُها" (٢)، فتمتنع؛ لإساءته عليها، فلا يحصل له مقصودُه، وتقديرُ اللفظ: ثم هو يضاجعُها.
وفي الحديث يكون المعنى: ثم هو يغتسلُ منه؛ أي من ذلك الماء الدائم الذي بال فيه.
قال الحافظُ ابنُ رجبٍ - في بعض تعاليقه - في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَجْلِدْ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُم يُضَاجِعُها مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ" (٣) يضاجعُها هو بالرفع، ومعناه التعليل؛ للنهي عن الضرب المبرح، وتقديره: وهو يضاجعُها، كأنه يقول: كيف يجلدُها وهو بصددِ أن يجامعَها في آخر الليل، فربما تعذر عليه ذلك لما أساء من عشرتها، قال: ولا تجوز فيه الرواية بالسكون عطفاً على النهي.
---------------
(١) انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " للقرطبي (١/ ٥٤١ - ٥٤٢).
(٢) رواه البخاري (٤٦٥٨)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، ومسلم (٢٨٥٥)، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، عن عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - بلفظ: "إلام يجلد أحدكم امرأته جلد الأمة؟ ولعله يضاجعها من آخر يومه"، وهذا سياق مسلم. ورواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١٧) عن عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - أيضاً بلفظ: "علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد؟ ثم يضاجعها من آخر الليل".
(٣) انظر: تخريج الحديث المتقدم.

الصفحة 73