كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)
يدعو غيره إليها، ويحضّ سِوَاهُ عَلَيْهَا (¬1)، إِذِ التَّأَسِّي فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَذَاهِبِ موضوع طلبه في الجِبِلَّة (¬2) (¬3)، وبسببه تقع من الْمُخَالِفِ الْمُخَالَفَةُ، وَتَحْصُلُ مِنَ الْمُوَافِقِ الْمُؤَالَفَةُ، وَمِنْهُ تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين (¬4).
وكان (¬5) الْإِسْلَامُ فِي أَوَّلِهِ وجِدَّته (¬6) (مُقَاوِمًا بَلْ) (¬7) ظَاهِرًا، وأهله غالبين (¬8)، وَسَوَادُهُمْ أَعْظَمُ الْأَسْوِدَةِ، فَخَلَا مِنْ وَصْفِ الْغُرْبَةِ بِكَثْرَةِ الْأَهْلِ وَالْأَوْلِيَاءِ النَّاصِرِينَ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ ـ مِمَّنْ لَمْ يَسْلُكْ سَبِيلَهُمْ، أَوْ سَلَكَهُ وَلَكِنَّهُ ابْتَدَعَ فِيهِ ـ صولةٌ يَعْظُمُ مَوْقِعُهَا، وَلَا قُوَّةٌ يضعف دونها حزب الله المفلحون، فسار (¬9) عَلَى اسْتِقَامَةٍ، وَجَرَى عَلَى اجْتِمَاعٍ وَاتِّسَاقٍ، فَالشَّاذُّ مَقْهُورٌ مُضْطَهَدٌ، إِلَى أَنْ أَخَذَ اجْتِمَاعُهُ فِي الِافْتِرَاقِ الْمَوْعُودِ، وَقُوَّتُهُ إِلَى الضَّعْفِ الْمُنْتَظَرِ، وَالشَّاذُّ عَنْهُ تَقْوَى صَوْلَتُهُ، وَيَكْثُرُ سَوَادُهُ.
وَاقْتَضَى (¬10) سِرُّ التَّأَسِّي الْمُطَالَبَةَ بِالْمُوَافَقَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَالِبَ أَغْلَبُ، فَتَكَالَبَتْ عَلَى سَوَادِ السُّنَّةِ الْبِدَعُ وَالْأَهْوَاءُ (¬11)، فَتَفَرَّقَ أَكْثَرُهُمْ شِيَعًا.
وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ: أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ فِي جَنْبِ أَهْلِ الْبَاطِلِ قَلِيلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ *} (¬12)، وقوله:
¬_________
(¬1) في (خ): "ويحض سؤاله بل سواه عليها"، وناسخ (خ) يفعل هذا إذا أخطأ حيث يضرب عن الخطأ بقوله بل، ثم يأتي بالصواب.
(¬2) الجبلة: الخلقة، ومنه قوله تعالى: {وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}، والجمع الجبلات. الصحاح للجوهري (4/ 1651).
(¬3) كتب في (خ) بعد كلمة الجبلة كلمة غير واضحة، ولعلها "بداهة".
(¬4) في (ر): "بين المختلفين".
(¬5) في (ط): "كان".
(¬6) قال في الصحاح: جد الشيء يجد بالكسرة جدة: صار جديداً، وهو نقيض الخلق الصحاح (2/ 454).
(¬7) ما بين المعكوفين ساقط من أصل (خ) ومثبت في هامشها.
(¬8) هكذا في (م) و (خ) و (ت)، وفي (ط): "غالبون"، على أنها خبر "وأهله"، والذي يظهر أن قوله غالبين صحيح أيضاً، على تقدير "وكان أهله غالبين".
(¬9) في (خ) و (م) و (ط): "فصار".
(¬10) في (ر): "فاقتضى".
(¬11) في (م): "البدع الأهواء" بدون واو، وفي (غ): "سباع الأهوى".
(¬12) سورة يوسف، آية (103).
الصفحة 17