كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

حِمَاهُ، وَلَا تَرْتَمِي نَحْوَ مَرْمَاهُ {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} (¬1)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالشُّكْرُ كَثِيرًا كَمَا هُوَ (أَهْلُهُ.
فمن) (¬2) هنالك قصرت (¬3) نَفْسِي عَلَى الْمَشْيِ فِي طَرِيقِهِ بِمِقْدَارِ مَا يسَّر اللَّهُ فِيهِ، فَابْتَدَأْتُ بِأُصُولِ الدِّينِ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا، ثُمَّ بِفُرُوعِهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ، وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ أَتَبَيَّنُ (¬4) مَا هُوَ مِنَ السُّنَنِ أَوْ مِنَ الْبِدَعِ، كَمَا أَتَبَيَّنُ (¬5) مَا هُوَ مِنَ الْجَائِزِ وَمَا هُوَ مِنَ الْمُمْتَنِعِ، وأعرض كل (¬6) ذَلِكَ عَلَى عِلْمِ الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ، ثُمَّ أطلب نَفْسِي بِالْمَشْيِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ (¬7)، فِي الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ (¬8)، وَتَرْكِ الْبِدَعِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا بدع مضلّة (¬9)، وأعمال مختلقة (¬10).
وَكُنْتُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ قَدْ دَخَلْتُ فِي بعض خطط الجمهور من الخطابة والإمامة (¬11) ونحوهما (¬12)، فلما أردت الاستقامة على الطريق (¬13)، وَجَدْتُ نَفْسِي غَرِيبًا فِي جُمْهُورِ أَهْلِ الْوَقْتِ، لِكَوْنِ خُطَطِهِمْ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْعَوَائِدُ، وَدَخَلَتْ عَلَى سُنَنِهَا (¬14) الْأَصْلِيَّةِ (¬15) شَوَائِبُ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ الزَّوَائِدِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِدْعًا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَيْفَ فِي زَمَانِنَا هَذَا؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ السلف
¬_________
(¬1) سورة يوسف، آية (38).
(¬2) بياض في (غ).
(¬3) المثبت ما في (ر) و (غ)، وفي بقية النسخ (قوت).
(¬5) (¬4) في (خ) و (ت) و (ط): "أبين".
(¬6) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ).
(¬7) سيذكر المؤلف الحديث بتمامه في الباب الثاني (ص74 ـ 76)، وسأذكر تخريجه هناك.
(¬8) يشير المؤلف رحمه الله إلى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عندما سئل عن الفرقة الناجية، فقال: "ما أنا عليه وأصحابي"، وسيذكره المؤلف في الباب التاسع (2/ 190)، وقد رواه الترمذي وغيره. انظر: سنن الترمذي (5/ 26) برقم (2641)، وحسَّنه الألباني، انظر: صحيح سنن الترمذي برقم (2129).
(¬9) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ).
(¬10) في (م) و (غ): "مختلة". وفي (ط): "مختلفة".
(¬11) في (ر): "من الإمامة والخطابة".
(¬12) في جميع النسخ: "ونحوها"، عدا (غ).
(¬13) في (م) و (ت): "طريق".
(¬14) في (غ): "سنيتها".
(¬15) في (م) و (ت): "الأصيلة".

الصفحة 20