كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

لِبَعْضِهِمْ (¬1)، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ فِي الْوَاقِعِ الْإِصْرَارُ.
وَمِنْ هُنَالِكَ (¬2) قُلْنَا: يَبْعُدُ أَنْ يَتُوبَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ بِظَاهِرِهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬3).
وَسَبَبُ ذلك (¬4) بعد السماع (¬5) أَنَّ الدُّخُولَ تَحْتَ تَكَالِيفِ الشَّرِيعَةِ صَعْبٌ عَلَى النَّفْسِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِلْهَوَى، وَصَادٌّ عَنْ سَبِيلِ الشَّهَوَاتِ، فَيَثْقُلُ عَلَيْهَا جِدًّا، لِأَنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ، وَالنَّفْسَ إِنَّمَا تَنْشَطُ بِمَا يُوَافِقُ هَوَاهَا لَا بِمَا يُخَالِفُهُ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَلِلْهَوَى فِيهَا مَدْخَلٌ، لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى نَظَرِ (¬6) مُخْتَرِعِهَا لَا إلى نظر الشارع، (فإن أدخل فيها نظر الشَّارِعِ) (¬7) فَعَلَى حُكْمِ التَّبَعِ لَا بِحُكْمِ الْأَصْلِ، مَعَ ضَمِيمَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَعَلُّقٍ بِشُبْهَةِ (¬8) دَلِيلٍ يَنْسِبُهَا إِلَى الشَّارِعِ، وَيَدَّعِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ، فَصَارَ هَوَاهُ مَقْصُودًا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فِي زَعْمِهِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ (¬9) عَنْ ذَلِكَ وداعي الهوى مستمسك بجنس (¬10) مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ؟ وَهُوَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي الجملة.
¬_________
=ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 104)، والإمام ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 291).
وانظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص112 ـ 114)، والكامل لابن الأثير (3/ 202 ـ 203)، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/ 90، 91).
(¬1) تقدم (ص102).
(¬2) في (غ): ذلك.
(¬3) سوف يذكر المؤلف بعض الذين ابتدعوا ثم تابوا في الباب الثالث (ص275 ـ 281)، وسوف يتكلم عن توبة المبتدع في الباب التاسع (2/ 267 ـ 273، 280 ـ 282) من المطبوع.
(¬4) مثبتة في (غ) و (ر)، وساقطة من بقية النسخ.
(¬5) هكذا في (م) وأصل (خ) و (ت). وكتب في هامش (ت) "عله بعده عن التوبة" وفي (خ) كتب فوق العبارة حرف مـ أي لا معنى لها، وفي الهامش صححت بعبارة "وسبب بعده عن التوبة".
(¬6) غير واضحة في (ت).
(¬7) ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(¬8) في (م): "شبهة".
(¬9) غير واضحة في (ت).
(¬10) المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ: "بحسن".

الصفحة 218