كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ (¬1) قَالَ: (بَلَغَنِي أَنَّ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ خلاه (¬2) الشيطان والعبادة، وألقى (¬3) عَلَيْهِ الْخُشُوعَ وَالْبُكَاءَ كَيْ يَصْطَادَ بِهِ) (¬4).
وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عِبَادَةً مَفْتُونٌ) (¬5)، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ صَلَاتَهُ فِي صَلَاتِهِ وَصِيَامَهُ فِي صِيَامِهِ" (¬6) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ (¬7).
وَيُحَقِّقُ مَا قَالَهُ الْوَاقِعُ كَمَا نُقِلَ فِي الْأَخْبَارِ عَنِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. فَالْمُبْتَدِعُ يَزِيدُ في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والجاه والمال (¬8) وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الشَّهَوَاتِ، بَلِ التَّعْظِيمُ أعلى (¬9) شَهَوَاتِ الدُّنْيَا، أَلَا (¬10) تَرَى إِلَى انْقِطَاعِ الرُّهْبَانِ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ عَنْ جَمِيعِ الْمَلْذُوذَاتِ، وَمُقَاسَاتِهِمْ فِي أَصْنَافِ الْعِبَادَاتِ، وَالْكَفِّ عَنِ الشَّهَوَاتِ؟! وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ خَالِدُونَ فِي جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *عَامِلَةٌ
¬_________
(¬1) تقدمت ترجمته رحمه الله (ص18).
(¬2) في (خ) و (ت) و (ط): "ضلالة"، وهو خطأ. ولا تستقيم العبارة بذلك، والمثبت هو ما في (م) و (غ) و (ر) وهو الموافق لما في الحوادث والبدع. وقد حاول الشيخ رشيد رضا تقريب العبارة فقال: ولعله: "آلفه الشيطان العبادة".
(¬3) في (ط): "أو ألقى".
(¬4) ذكر هذا القول له الإمام الطرطوشي في الحوادث والبدع (ص297)، ولعل المؤلف قد نقله منه، لأن القول الذي بعده موجود في نفس الموضع.
(¬5) رواه الإمام ابن وضاح عن رجل من الصحابة، ولكن بدون ذكر الحديث، وقال بعده: يعني صاحب بدعة.
انظر: البدع والنهي عنها (ص62 ـ 63)، وذكره الإمام الطرطوشي في الحوادث والبدع بتمامه (ص297).
(¬6) تقدم تخريجه الحديث (ص12)، وأكثر الروايات وردت بضمير الجمع في لفظة (صلاته) الثانية وكذلك (صيامه). وهذه الرواية عند الإمام البخاري (12/ 290).
(¬7) ذكر هذا القول لبعض الصحابة، واحتجاجهم بالحديث الإمام الطرطوشي في الحوادث والبدع (297).
(¬8) في (ط): "والمال والجاه".
(¬9) في (خ) و (ط): "على".
(¬10) في (ر): "أولا".

الصفحة 219