كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

نَاصِبَةٌ *تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *} (¬1) وَقَالَ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرَينِ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *} (¬2)، وَمَا (¬3) ذَاكَ إِلَّا لِخِفَّةٍ يَجِدُونَهَا فِي ذَلِكَ الالتزام، ونشاط يداخلهم، يَسْتَسْهِلُونَ (¬4) بِهِ الصَّعْبَ، بِسَبَبِ مَا دَاخَلَ النَّفْسَ مِنَ الْهَوَى، فَإِذَا بَدَا لِلْمُبْتَدِعِ مَا هُوَ عليه، رآه محبوباً عنده لاستعباده (¬5) لِلشَّهَوَاتِ ـ وَعَمَلِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا (¬6) ـ وَرَآهُ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ عِنْدَهُ، فَمَا الَّذِي يَصُدُّهُ عَنِ الِاسْتِمْسَاكِ بِهِ، وَالِازْدِيَادِ مِنْهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ أَعْمَالَهُ أَفْضَلُ من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى؟! أفبعد البرهان مطلب؟ (¬7) {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (¬8).
وَأَمَّا أَنَّ الْمُبْتَدِعَ يُلْقَى عَلَيْهِ الذُّلُّ فِي الدُّنْيَا وَالْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ *} (¬9) حَسْبَمَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ (¬10)، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُتَّخِذِينَ لِلْعِجْلِ إِنَّمَا ضَلُّوا بِهِ حَتَّى (¬11) عَبَدُوهُ، لِمَا سَمِعُوا مِنْ خُوَارِهِ، وَلِمَا (أَلْقَى) (¬12) إِلَيْهِمُ السَّامِرِيُّ فِيهِ، فَكَانَ فِي حَقِّهِمْ شُبْهَةً خَرَجُوا بِهَا عن الحق الذي كان في أيديهم، ثم (¬13) قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}، فَهُوَ عُمُومٌ فِيهِمْ وَفِيمَنْ أَشْبَهَهُمْ، مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْبِدَعُ كُلُّهُا افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ حَسْبَمَا أخبر في كتابه في قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} (¬14).
¬_________
(¬1) سورة الغاشية: آيات (2 ـ 4).
(¬2) سورة الكهف: آيتان (103 ـ 104).
(¬3) في (م) و (ت): "ما" بدون الواو.
(¬4) في (ت): "يستهلون".
(¬5) المثتب من (ر)، وفي بقية النسخ "لاستبعاده".
(¬6) غير واضحة في (ت)، وكتب بإزائها في الهامش "جهتها" وكأنها نسخة أخرى.
(¬7) هكذا العبارة في (م) و (ت)، وفي (خ) و (ط): "أفيفيد البرهان مطلباً"، ويظهر تعديل الناسخ لكلمة "أفبعد" إلى "أفيفيد".
(¬8) سورة المدثر: آية (31).
(¬9) سورة الأعراف: آية (152).
(¬10) تقدم (ص110).
(¬11) ساقطة من (ت)، وفي (غ): "حيث".
(¬12) ساقطة من (م) وأصل (خ) و (ت)، ومثبتة في (ط) وهامش (خ) و (ت).
(¬13) مثبتة في (غ): وساقطة من بقية النسخ.
(¬14) سورة الأنعام: آية (140).

الصفحة 220