كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

فَإِذًا كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ فَهُوَ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ بِسَبَبِ بِدْعَتِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ لبادى الرأي عزه (¬1) وجبريته، فَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَذِلَّاءُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الذِّلَّةَ الحاضرة في الدنيا (¬2) مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ. أَلَا تَرَى أَحْوَالَ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَمَانِ التَّابِعِينَ، وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ حَتَّى تَلَبَّسُوا (¬3) بِالسَّلَاطِينِ (¬4)، وَلَاذُوا بِأَهْلِ الدُّنْيَا (¬5)، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ اسْتَخْفَى بِبِدْعَتِهِ، وَهَرَبَ بِهَا عَنْ مُخَالَطَةِ الْجُمْهُورِ، وَعَمِلَ بِأَعْمَالِهَا عَلَى التَّقِيَّةِ.
وَقَدْ (¬6) أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتخذوا العجل أن (¬7) سَيَنَالُهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، فَأَنْجَزَ اللَّهُ وَعْدَهُ، فَقَالَ: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬8).
وصدق (¬9) ذلك الواقع باليهود حيثما حلوا، وفي (¬10) أي زمان (¬11) كانوا، لا يزالوان أَذِلَّاءَ مَقْهُورِينَ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}، وَمِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِدَاءِ (¬12) اتِّخَاذُهُمُ الْعِجْلَ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذِّلَّةِ، وَأَمَّا (¬13) الْغَضَبُ فَمَضْمُونٌ بِصَادِقِ الْأَخْبَارِ، فَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِعُ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الغضب والله الواقي بفضله.
وَأَمَّا الْبُعْدُ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، فلحديث الموطأ: (فليذادن
¬_________
(¬1) في (ط): "في عزة".
(¬2) كتبت في (ط): "بين أيدينا".
(¬3) كتب بإزائها في هامش (ت): "عله تشبثوا".
(¬4) وذلك كاستعانة المعتزلة ببعض خلفاء بني العباس في مسألة خلق القرآن.
(¬5) في (خ): "بأهلها بل بأهل الدنيا"، وهو خطأ أضرب عنه الناسخ.
(¬6) غير واضحة في (ت).
(¬7) في (م) ضرب على الحرف بخط مائل.
(¬8) سورة البقرة: آية (61).
(¬9) غير واضحة في (ت).
(¬10) المثبت كما في (غ)، وفي بقية النسخ: "في" بدون الواو.
(¬11) في (خ): "في أي مكان وزمان"، وكذلك (ط)، ولعل كلمة "مكان" زيادة من الناسخ فقد كتبت فوق السطر.
(¬12) في (غ) و (ر): اعتدائهم.
(¬13) في (م) وأصل (خ): "ومن"، وفي هامش (خ) كما هو مثبت.

الصفحة 221