كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الْمَحْضِ، كَانَ كُفْرُهُمْ أَصْلًا أَوِ ارْتِدَادًا، وَلِقَوْلِهِ: "قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ" (¬1)، وَلَوْ كَانَ الْكُفْرُ، لَقَالَ: قَدْ كَفَرُوا بَعْدَكَ، وَأَقْرَبُ مَا يُحْمَلُ (¬2) عَلَيْهِ تَبْدِيلُ السُّنَّةِ، وَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ (¬3). ومن قال: إنهم (¬4) أهل (¬5) النِّفَاقُ فَذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَقْصُودِنَا، لِأَنَّ أَهْلَ النِّفَاقِ إِنَّمَا أَخَذُوا الشَّرِيعَةَ تَقِيَّةً لَا تعبدا، فوضعوها غَيْرِ مَوَاضِعِهَا وَهُوَ عَيْنُ الِابْتِدَاعِ. وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَنِ اتَّخَذَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِهَا حِيلَةً (¬6) وَذَرِيعَةً إِلَى نَيْلِ حُطَامِ الدُّنْيَا، لَا عَلَى التَّعَبُّدِ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لها، وإخراج لها عن وضعها الشرعي.
وَأَمَّا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، فَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ السَّلَفِ الْأَوَّلِ وَغَيْرَهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ (¬7) كَثِيرٍ مِنْ فِرَقِهِمْ مِثْلَ الْخَوَارِجِ (¬8)، وَالْقَدَرِيَّةِ (¬9) وَغَيْرِهِمْ (¬10)، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (¬11)، وقوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (¬12) الْآيَةَ.
وَقَدْ حَكَمَ (¬13) الْعُلَمَاءُ بِكُفْرِ جُمْلَةٍ مِنْهُمْ كَالْبَاطِنِيَّةِ (¬14) وَسِوَاهُمْ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ رَاجِعٌ إِلَى مَذْهَبِ الْحُلُولِيَّةِ (¬15) الْقَائِلِينَ بِمَا يُشْبِهُ قَوْلَ النَّصَارَى فِي
¬_________
=وردت في حديث أبي هريرة السابق (ص121)، إلا أن المؤلف اختصره.
(¬1) تقدم تخريج الحديث (ص121).
(¬2) في (ت): "حمل".
(¬3) وسيتكلم المؤلف عن هذه المسألة أيضاً في المسألة السادسة من الباب التاسع (2/ 202 ـ 206).
(¬4) المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ: "إنه".
(¬5) ساقطة من النسخ عدا (غ).
(¬6) في (م) و (خ): "حلية"، وصححت في هامش (خ)، وهي غير واضحة في (ت).
(¬7) ساقطة من (ت).
(¬8) تقدم التعريف بهم (ص11).
(¬9) تقدم التعريف بهم (ص11).
(¬10) سوف يتكلم المؤلف عن مسألة تكفير المبتدعة في الباب التاسع (2/ 194 ـ 198، 202 ـ 206، 246 ـ 249)، وتقدم الكلام على تكفير الخوارج (ص79).
(¬11) سورة الأنعام: آية (159).
(¬12) سورة آل عمران: آية (106).
(¬13) في (م) و (ت) و (ر) و (غ): "حتم".
(¬14) تقدم التعريف بهم (ص28).
(¬15) الحلولية قوم يزعمون أنه قد حصل لهم الحلول، وهو حلول الله بذاته في الأجسام أو=

الصفحة 223