كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ (¬1).
وَالْعُلَمَاءُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْرٍ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَمْ لَا؟ فَكُلُّ عَاقِلٍ يَرْبَأُ (¬2) بِنَفْسِهِ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى خُطَّةِ خَسْفٍ كَهَذِهِ، بِحَيْثُ يُقَالُ لَهُ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ أَنْتَ كَافِرٌ أَمْ ضَالٌّ غَيْرُ كَافِرٍ؟ أَوْ يُقَالُ (¬3): إِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قالوا بكفرك، وأنت (¬4) حلال الدم.
وَأَمَّا أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهَا سُوءُ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، فَلِأَنَّ (¬5) صَاحِبَهَا مُرْتَكِبٌ إِثْمًا، وَعَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى حَتْمًا، وَلَا نَقُولُ الْآنَ: هُوَ عَاصٍ بِالْكَبَائِرِ أَوْ بِالصَّغَائِرِ، بَلْ نَقُولُ: هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَالْإِصْرَارُ يُعَظِّمُ الصَّغِيرَةَ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً حَتَّى تَصِيرَ كَبِيرَةً، وَإِنْ (¬6) كَانَتْ كَبِيرَةً فَأَعْظَمُ. وَمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيُخَافُ عَلَيْهِ، فَرُبَّمَا إِذَا كُشِفَ الْغِطَاءُ، وَعَايَنَ عَلَامَاتِ الْآخِرَةِ، اسْتَفَزَّهُ الشَّيْطَانُ وَغَلَبَهُ عَلَى قَلْبِهِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَخُصُوصًا حِين كَانَ مُطِيعًا لَهُ (¬7) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ زَمَانِهِ، مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ (¬8) الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيِّ (¬9): (إِنَّ سُوءَ الخاتمة لا يكون لمن استقام
¬_________
=المخلوقات، وأول من أظهر ذلك في الإسلام هم غلاة الرافضة، بادعائهم حلول الحق في أئمتهم، واشتهر القول بالحلول عن الحلاج ومن تبعه من زنادقة الصوفية.
انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص116)، وانظر: كلام الإمام الآجري عن هذه الفرقة في كتابه الشريعة (ص285 ـ 290).
(¬1) يريد النصارى باللاهوت الله تعالى أو كلمته، ويريدون بالناسوت عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وقد زعموا حلول اللاهوت بالناسوت.
انظر: الملل والنحلل للشهرستاني (ص221)، الجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 160).
(¬2) في (م): "يرءا"، وصححت في الهامش بما هو مثبت. وفي (ت): "ينئى"، وكتب في الهامش "يرءا" على أنها نسخة أخرى.
(¬3) في (خ): "يقال له".
(¬4) في (غ): "وأنك".
(¬5) في (ر): "فإن".
(¬6) في (ر): "وأما إن".
(¬7) في (ت): "لله".
(¬8) غير واضحة في (ت).
(¬9) في (خ): "الإشبل"، وهو الإمام الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الأندلسي الإشبيلي، سكن مدينة بجاية، فنشر بها علمه، وصنف=

الصفحة 224