كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

حَيْثُ لَا يُفْطَنُ لَهُ، وَسُوءُ الْخَاتِمَةِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، إِذْ يَأْتِي الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ (¬1). اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ (¬2) الْعَفْوَ والعافية.
وَأَمَّا اسْوِدَادُ وَجْهِهِ فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ (¬3) فِي ذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (¬4)، وَفِيهَا أَيْضًا الْوَعِيدُ بِالْعَذَابِ لِقَوْلِهِ: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (¬5)، وَقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬6).
حَكَى عِيَاضٌ (¬7) عَنْ مَالِكٍ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ (¬8) عَنْهُ قَالَ: (لَوْ أَنَّ الْعَبْدَ ارْتَكَبَ الكبائر كلها بعد أن لا يشرك (¬9) بِاللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ نَجَا مِنْ هَذِهِ (¬10) الْأَهْوَاءِ لَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ فِي أَعْلَى جَنَّاتِ (¬11) الْفِرْدَوْسِ، لِأَنَّ كُلَّ كَبِيرَةٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ هُوَ مِنْهَا عَلَى رَجَاءٍ، وَكُلَّ هَوًى لَيْسَ هُوَ مِنْهُ عَلَى رَجَاءٍ، إِنَّمَا يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي نار جهنم) (¬12).
¬_________
(¬1) ساقطة من (غ) و (ر).
(¬2) في (م) و (خ): "نسلك".
(¬3) تقدم كلام ابن عباس في الآية المذكورة، وأنها تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ البدعة (ص83).
(¬4) (¬5) سورة آل عمران: آية (106).
(¬6) سورة آل عمران: آية (105).
(¬7) هو القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي المالكي، إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب، توفي رحمه الله سنة 544هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 212)، الإحاطة في أخبار غرناطة (4/ 222)، البداية والنهاية (12/ 225).
(¬8) هو عبد الله بن نافع الصائغ، من كبار فقهاء المدينة، كان صاحب رأي مالك، وهو الذي سمع منه سحنون وكبار أتباع أصحاب مالك. توفي سنة 186هـ.
انظر: ترتيب المدارك (1/ 356)، طبقات ابن سعد (5/ 438)، سير أعلام النبلاء (10/ 371).
(¬9) في (م) و (خ) و (ت): "بعد الإشراك بالله".
(¬10) في (م): "هذ".
(¬11) في (غ) و (ر): "جنة".
(¬12) رواه القاضي عياض في ترتيب المدارك (1/ 177)، وروى نحوه الإمام أبو نعيم في الحلية (6/ 325)، وروى الإمام البيهقي في الاعتقاد والهداية قريباً من هذا عن الشافعي. ولفظه "لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى". (ص/158).

الصفحة 226