كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الْحُلَيْفَةِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". فَقَالَ: (إِنِّي (¬1) أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "لَا تَفْعَلْ") (¬2)، قَالَ: فَإِنِّي (¬3) أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ عِنْدِ الْقَبْرِ، قَالَ: "لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى عليك (¬4) الفتنة" (¬5)، فقال وأي فتنة في (¬6) هَذِهِ؟ (¬7) إِنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا، قَالَ: "وَأَيُّ فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إِلَى فَضِيلَةٍ قَصَّرَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬8) " (¬9).
وَهَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ (¬10) هِيَ شَأْنُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَقَاعِدَتُهُمُ الَّتِي يُؤَسِّسُونَ عَلَيْهَا بُنْيَانَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَنَّهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ بِعُقُولِهِمْ.
وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ (¬11) ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا رُوِيَ عنه (¬12) ابْنِ وَضَّاحٍ: "لَقَدْ هُدِيتُمْ لِمَا لَمْ يَهْتَدِ له نبيكم، [أو] (¬13) إنكم لَتُمْسِكُونَ بِذَنَبِ ضَلَالَةٍ"، إِذْ مَرَّ بِقَوْمٍ كَانَ رجل يجمعهم فَيَقُولُ (¬14): رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا (¬15) مَرَّةً "سُبْحَانَ اللَّهِ"، فَيَقُولُ الْقَوْمُ، وَيَقُولُ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً "الْحَمْدُ لله"، فيقول القوم (¬16).
¬_________
(¬1) في (م) و (ت): "فإني".
(¬2) ما بين المعكوفين ساقط من (خ).
(¬3) في (م) و (غ): "إني".
(¬4) في (م): "عليه".
(¬5) ساقطة من (م) وأصل (خ)، وأثبت في هامش (خ).
(¬6) ساقطة من (ط).
(¬7) في أحكام القرآن "هذا".
(¬8) سورة النور: آية (63).
(¬9) ذكره بسنده إلى الإمام مالك رحمه الله الإمام ابن العربي في أحكام القرآن، عند الآية (3/ 432)، وقد رواه الإمام ابن بطة في الإنابة الكبرى بلفظ أخصر من هذا (1/ 261 ـ 262).
(¬10) في (غ): "للآية".
(¬11) في (ت): "يقول قال ابن مسعود ... ".
(¬12) في (م) و (ط): "عن".
(¬13) في جميع النسخ "وإنكم"، والصواب ما أثبته، وهو لفظ الإمام ابن وضاح.
(¬14) المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ: "يقول".
(¬15) في (ت): "كذا كذا".
(¬16) رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص16، 18)، و (ص19) وهو لفظ=

الصفحة 231