كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

إِلَى مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْدَثَاتِ تَدْخُلُ فِي الْمَشْرُوعَاتِ، وَأَنَّ ذلك قد كان قبل زماننا، وأنها (¬1) تَتَكَاثَرُ عَلَى تَوَالِي الدُّهُورِ إِلَى الْآنَ.
فَتَرَدَّدَ النَّظَرُ بَيْنَ أَنْ أَتَّبِعَ السُّنَّةَ عَلَى شَرْطِ مُخَالَفَةِ مَا اعْتَادَ النَّاسُ، فَلَا بُدَّ مِنْ حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد، لا سِيَّمَا إِذَا ادَّعَى أَهْلُهَا أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ السُّنَّةُ لَا سِوَاهَا، إِلَّا أَنَّ فِي ذَلِكَ الْعِبْءِ الثَّقِيلِ مَا فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ الْجَزِيلِ، (وَبَيْنَ أَنْ أَتْبَعَهُمْ) (¬2) عَلَى شَرْطِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ، فَأَدْخُلَ تَحْتَ تَرْجَمَةِ الضُّلَّالِ، عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنِّي أُوَافِقُ الْمُعْتَادَ، وَأُعَدُّ مِنَ الْمُؤَالِفِينَ (¬3) لَا مِنَ الْمُخَالِفِينَ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الْهَلَاكَ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ هُوَ النَّجَاةُ، وَأَنَّ النَّاسَ لَنْ يُغْنُوا عَنِّي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، فَأَخَذْتُ فِي ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ التَّدْرِيجِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَقَامَتْ عَلَيَّ القيامة، وتواترت (¬4) الْمَلَامَةُ، وفَوَّق (¬5) إِلَيَّ الْعِتَابُ سِهَامَهُ، وَنُسِبْتُ إِلَى الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَأُنْزِلْتُ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهَالَةِ، وَإِنِّي لَوِ الْتَمَسْتُ لِتِلْكَ الْمُحْدَثَاتِ مَخْرَجًا لَوَجَدْتُ، غَيْرَ أَنَّ ضِيقَ الْعَطَنِ (¬6)، وَالْبُعْدَ عَنْ أَهْلِ الْفِطَنِ، رَقَى بِي (¬7) مُرْتَقًى صَعْبًا، وَضَيَّقَ عَلَيَّ مَجَالًا رَحْبًا، وَهُوَ كَلَامٌ يُشِيرُ (¬8) بِظَاهِرِهِ إِلَى أن اتّباع
¬_________
= سهيل بن مالك عن أبيه وذكره، ورواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم، قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن عمّه أبي سهيل بن مالك عن أبيه وذكره (2/ 199)، وذكره الطرطوشي في الحوادث والبدع (ص111).
(¬1) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "وإنما".
(¬2) ما بين المعكوفين كتب في (ت): "ولئن اتبعتهم".
(¬3) في (غ): "المولفين".
(¬4) في (ط): "وتواترت على الملامة".
(¬5) الفوق هو موضع الوتر من السهم، والجمع أفواق. يقال: فوقت السهم أي جعلت له فوقاً. وأفقت السهم، أي وضعت فوقه في الوتر لأرمي به.
لسان العرب (10/ 320)، الصحاح للجوهري (4/ 1546).
(¬6) في (م) و (خ) وأصل (ت): "الطعن". قال الجوهري في الصحاح: "يقال فلان واسع العطن والبلد، إذا كان رحب الذراع". انظر: الصحاح (6/ 2165).
(¬7) في (م) و (خ) و (غ): "في".
(¬8) من هنا ينتقل ناسخ (غ) إلى قول المؤلف في الباب الأول: "للسلوك عليها .. " (ص45).

الصفحة 24