كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

فهذه هي المحجة (¬1) العظمى التي دعا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إِلَيْهَا.
ثُمَّ قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ، لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ فِيهِمْ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (¬2) يَعْنِي الْيَهُودَ.
وَالضَّالُّونَ هُمُ النَّصَارَى، لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا فِي الْحُجَّةِ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3).
وَيَلْحَقُ بِهِمْ فِي الضَّلَالِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي أَثْنَاءِ القرآن ما يدل على ذلك، ولأن لفظ القرآن في قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} يَعُمُّهُمْ وَغَيْرَهُمْ، فَكُلُّ مَنْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ دَاخِلٌ فِيهِ.
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الضَّالِّينَ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ ضَلَّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلًا، إِذْ قَدْ (¬4) تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ قبل هذا مثله.
¬_________
(¬1) في (ط): "الحجة".
(¬2) سورة البقرة: آية (146).
(¬3) رواه الإمام الترمذي في كتاب التفسير من سننه في تفسير سورة الفاتحة، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، ضمن حديث طويل، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال"، وقال حسن غريب.
انظر: الحديث برقم (2953، 2954)، (5/ 186 ـ 187)، ورواه الإمام أحمد في المسند عنه بلفظ: "إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى، (4/ 378 ـ 379)، والإمام ابن جرير الطبري (1/ 61 ـ 64)، وابن حبان كما في موارد الظمآن للهيثمي برقم (1715)، (ص424)، وصححه الشيخ الألباني كما في تعليقه على الطحاوية وقال صحيح، رواه الترمذي وغيره، وصححه ابن حبان.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص526)، صحيح الجامع برقم (8202)، (2/ 1363).
(¬4) في (ت): "وقد" بدل "إذ قد".

الصفحة 242